الصورة وتأثيرها


من سمات عصرنا الراهن أنه «عصر الصورة»، مما يعني هيمنة الصورة وسيادتها لتكون إحدى أهم أدوات عالمنا المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، والصورة ليست أمراً مستجداً في التاريخ الإنساني، وإنما تحولت من الهامش إلى المركز، ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة والسيادة على غيرها من العناصر والأدوات الثقافية والإعلامية.


أولاً: قوة الصورة في إيصال الرسالة الإعلامية

1. البصر أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات.

2. قوة الصورة تنطلق من مفهوم التصديق والتكذيب، لأن الرؤية البصرية هي أساس التصديق، ولذلك يقال «ليس راءٍ كمن سمعا».
 
3. الصورة تخاطب كل البشر، المتعلم والأمي، الصغير والكبير، وتكسر حاجز اللغات، لذلك فهي الأوسع انتشاراً.

4. تختلف الصورة عن الكلمة المنطوقة أو المكتوبة لأنها ترتبط بشيء ملموس ومحسوس ومحدد، والكلمة مرتبطة بشيء تجريدي، غير ملموس، ويتصف بالتعميم.

5. تختلف الصورة عن الكلمة المكتوبة في سهولة التلقي، لأن القراءة تتطلب التأمل وإشغال الذهن، أما الصورة فلا تحتاج جهداً ذهنياً كبيراً لتلقيها.

6. الصورة تختلف عن النص المكتوب، الذي يتطلب تفكيك العلاقات القائمة بين الكلمات، بجهد وتركيز وبطء، بينما الصورة تعطي الرسالة دفعة واحدة.

7. من أجل ذلك انتشر المثل المشهور الذي يقول: "إن الصورة تساوي ألف كلمة".


ثانياً: الصورة التلفزيونية والتأثير

1. إن الصورة في التلفزيون أخذت بعداً جديداً يزيد على الصورة الثابتة، فهي صورة حية تتكلم وتتحرك، وهذا أعطاها فعلاً تأثيرياً إضافياً.

2. يزداد تأثير الصورة بسبب تكوينها التقني وبلاغتها التكنولوجية، وإشباعها بالألوان الأصوات والمؤثرات، بحيث تستفز أحاسيس المشاهد البصرية والسمعية وتستحوذ عليه.

3. لقد تفوق التلفزيون على كل وسائل الاتصال والإعلام الأخرى بسبب سطوة الصورة المتحركة، ولأنه يأتي في بيتك، وفي غرفة نومك، وفي جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وجهاز الهاتف المتحرك الذي تحمله في جيبك.

4. إن الصورة التلفزيونية المتحركة ببهائها وألوانها الزاهية جذابة ومغرية، توحي بالاسترخاء، وتمنح متعة التلقي.

5. إن الصورة التلفزيونية بالغة التأثير، بسبب سرعتها الخاطفة، وتعاقبها الشديد، فلا يجد الذهن وقتاً للتفكير والتمعن والتأمل.

6. من أجل ذلك أصبحت الصورة الحية أكثر الوسائل الإعلامية إقناعاً، وقدرةً على التأثير.


ثالثاً: الصورة رسالة

1.      الصورة رسالة بين مرسل ومستقبل، وهي رسالة ذات مضمون، إما أن تكون ذات مضمون سطحي للاستهلاك، أو مضمون عميق له شفرة وألغاز يجب حلها، أو مضمون يستقر في العقل الباطن للمتلقي دون أن يشعر.

2. الصورة تعكس هدف من قام بإنتاجها وعرضها.

3. إن الصورة المعروضة أو اللقطة المشاهدة هي خيار منتجها وعارضها، فهي واحدة من بين عشرات أو مئات الصور الأخرى المرتبطة بالشيء نفسه، أو الحدث ( المصور ) نفسه لكن قد تم استبعادها واختيرت الصورة المعروضة.

4. عملية اختيار الصورة تهدف إلى إرسال رسالة بعينها، أو بث معنى محدد، وقد تكون الرسالة محاولة لتشويه الحقيقة أو مواربتها، فزاوية اللقطة وحدودها، وعملية المونتاج التي تتعرض لها، والسياق الذي تبث فيه، والتعليق الصوتي أو المكتوب الذي يصاحبها، ووقت البث ومناسبته، كلها عوامل تساهم في إحداث أثر معين ( مخطط له ) ومقصود بذاته في ذهن المتلقي.

5. إن الصورة ليست محايدة، بل هي متحيّزة أحياناً، وقادرة على إخفاء ذلك التحيّز.

6. إن قراءة الصورة عند الأمي تختلف عن قراءتها لدى المتعلم والمثقف، لأن المثقف يحاول الوصول إلى المعنى الكامن في ما وراء الصورة، وليس الاكتفاء بالمتعة البصرية.

رابعاً: من نتائج ثقافة الصورة

1. أصبحت الصورة تتلاعب بالعقول، وتفصل متابعها عن العالم الحقيقي، بحيث لا يعود يعرف الواقع إلا من خلال الصورة المتتالية المسيطرة.

2. استطاعت الصورة أن تمارس هيمنة وسلطة على المتلقي المنبهر، والمشاهد المستهلك السلبي، الذي تقتصر لذته على المتعة البصرية.

3. استطاعت الصورة أن تكون عنصراً أساسياً في تشكيل شخصية الإنسان، وفي تشكيل تصوراته عن الواقع، بشكل يفوق خبراته الفعلية اليومية المعاشة.

4. لقد أدت صناعة الصورة إلى هيمنة ثقافة المظهر والشكل، والإبهار واللمعان والاستعراض، على حساب ثقافة الجوهر والمضمون، والقيمة والعمق.

5. أصبحت الصورة قادرة على توجيه سلوك المستهلك، والتحكم بذوقه وعقله، وتحديد ماذا يأكل، وماذا يشرب، وكيف يلبس، وكيف يتصرف.
 
6. توغلت الصورة داخل وعي الإنسان وأصبحت تؤسس لاختيارات وتفضيلات، وتحفيزات وتحيّّزات، وتطلق حاجيات، وتحدث رغبات.

7. وفي عصر صناعة الصورة أصبحت الصورة تقيم معادلاً خيالياً للواقع، بل يصبح الواقع أحياناً صورة شاحبة عن الصورة، فتكون الصورة هي الأساس وليس الواقع، وأصبحت الصورة أحياناً تسبق الواقع وتمهد له.

سادساً: الصورة والإعلام الجديد

إن اندماج التقنيات وتداخلها وتطورها خلال السنوات الأخيرة، مع بروز وسائل الإعلام الجديد، يعطي كثيراً من الثقافات فرصة ذهبية جديدة لإثبات وجودهم، وحماية أنفسهم، وتدعيم ذواتهم، من خلال المشاركة بفعالية في معركة الصورة العالمية، التي أصبحت متاحة للجميع، بل إن آلة التصوير الفوتوغرافي وتصوير مقاطع الفيديو أصبحت ترافقنا باستمرار ضمن الهواتف المتنقلة في جيوبنا.

الحداثة

على الرغم من الاختلاف بين الكثير ممن أرخوا للحداثة الأوربية حول بدايتها الحقيقية وعلى يد من كانت, فإن الغالبية منهم يتـفقون على أن تاريخها يبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يدي بودلير، وهذا لا يعني أن الحداثة قد ظهرت من فراغ ، فإن من الثابت أن الحداثة رغم تمردها وثورتـها على كل شيء، حتى في الغرب، فإنها تظل إفرازاً طبيعياً من إفرازات الفكر الغربي الذي قطع صلته بالدين على ما كان في تلك الصلة من انحراف، وذلك منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوربية عن الكنيسة، وثارت على سلطتها الروحية التي كانت بالفعل كابوساً مقيتاً محارباً لكل دعوة للعلم الصحيح، والاحترام لعقل الإنسان، وحينها انطلق المجتمع هناك من عقاله بدون ضابط أو مرجعية دينية، وبدأ يحاول أن يبني ثقافته من منطلق علماني بحت فظهرت كثير من الفلسفات والنظريات في شتى مناحي الحياة. وطبيعي ما دام لا قاعدة لهم ينطلقون منها لتصور الكون والحياة والإنسان، ولا ثابت لديهم يكون محوراً لتقدمهم المادي، ورقيهم الفكري والحضاري، أن يظهر لديهم كثير من التناقض والتضاد، ولا جامع بين هذه الأفكار إلا أنها مادية ملحدة، ترفض أن ترجع لسلطان الكنيسة الذي تحررت من نيره قبل ذلك.

فكان من أول المذاهب الأدبية الفكرية ظهوراً في الغرب: "الكلاسيكية" الذي كان امتداداً لنظرية المحاكاة التي أطلقها أرسطو الأب الروحي للحضارة الغربية، وكما قال إحسان عباس: " فإن الكلاسيكية تؤمن أن الإنسان محدود في طاقته، وأن التقاليد يمكن أن تكون ذات جوانب حسنة جميلة، فهي تميل دائماً إلى التحفظ واللياقة ومراعاة المقام والخيال الكلاسيكي خيال مركزي، مجند في خدمة الواقع".

ثم جاءت الرومانسية فكانت ثورة وتمرداً على الكلاسيكية، فقدست الذات والبدائية والسذاجة ورفضت الواقع، ادعت أن الشرائع والتقاليد والعادات هي التي أفسدت المجتمع، ويجب أن يجاهد في تحطيمها، ومع كل هذا الرفض والثورة وعدم وجود البديل لدى هذا المذهب، فشل الرومانسيون في تغيير الواقع، فأوغلوا في الخيال المجنح والتحليق نحو المجهول. يقول أحد رموزهم ويدعى (وايتمان): "لو سرت مع الله في الجنة وزعم أنه جوهريا أعظم مني، فإن ذلك ليؤذيني وسأنسحب بالتأكيد من الجنة". وقد كان من أساطين هذا المذهب في الغرب : بايرون، وشيلي، وكيتس، ووردزورث، وكولريدج، وشيلر . وأخذ هذا المذهب الأدبي الفكري في بلاد العرب: شعراء المهجر، ومدرسة الديوان، وجماعة أبولو، على اختلاف بينهم في مقدار التأثر به.

ثم كان هناك التطور إلى المذهب البرناسي، ثم المدرسة الواقعية التي تطورت إلى الرمزية التي كانت الخطوة الأخيرة قبل الحداثة. وكان من رموز المدرسة الرمزية التي تمخضت عنها الحداثة في الجانب الأدبي على الأقل، الأمريكي إدغار ألن بو، وقد تأثر به كثير من الرموز التاريخية للحداثة مثل: مالارميه، وفاليرى وموباسان، وكان المؤثر الأول في فكر وشعر بودلير أستاذ الحداثيين في كل مكان.
.
 وقد نادى إدغار بأن يكون الأدب كاشفاً عن الجمال، ولا علاقة له بالحق والأخلاق (ابداع بلا وصاية)، وبالفعل كانت حياته لا علاقة لها بالحق ولا الأخلاق ولا الجمال أيضاً وكذلك شعره وأدبه؛ فقد كانت حياته موزعة بين القمار والخمور، والفشل الدراسي والعلاقات الفاسدة، ومحاولة الانتحار بالأفيون، حتى قيل عنه عند موته في إحدى الصحف الأمريكية "ومما يبعث الأسى لموته، هو ـ قبل كل شيء ـ الاعتراف بأن الفن الأدبي قد فقد نجماً من أسطع نجومه ولكن من أمعنهم في الضلال"

 وعلى خطى إدغار سار تلميذه بودلير أستاذ الحداثيين، ممعنا في الضلال، وبعيداً عن الحق والأخلاق . وكان يعتبر عميد الرمزية والخطوة الأولى للحداثة من الناحية الأدبية على الأقل، وإلا فهناك روافد أخرى ساهمت في تشكيل الحداثة. وقد نادى بودلير بالفوضى في الحس والفكر والأخلاق، ويقول عبد الحميد جيدة: " لقد قام المذهب الرمزي الذي أراده بودلير على تغيير وظيفة اللغة الوضعية، بإيجاد علاقات لغوية جديدة، تشير إلى مواضيع لم تعهدها من قبل … ويطمح أيضاً إلى تغيير وظيفة الحواس عن طريق اللغة الشعرية، ولذا لا يستطيع القارئ أو السامع أن يجد المعنى الواضح المعهود في الشعر الرمزي"
 وهذا هو بالضبط ما نقرأه ونسمعه من أدباء الحداثة المحليين عندنا اليوم، بعد ما يقارب مئة عام على ظهور رمية بودلير وعبثيته وذاتيته. أليس هذا غريباً مع دعواهم التجاوز للسائد والنمطي والاجترار من النماذج السابقة كما يسمونـها ؟؟ 
ويقول محمد برادة: "الخيبة التي انتهى إليها بودلير من مراهنته على حداثته، ليس فقط أن الشاعر بودلير يعاني موت الجمال ويبكيه .. إنه يعاني كذلك غياباً، لا غياب الله أو موته؛ بل أكثر من ذلك. الحداثة تغلف وتقنع غياب البراكسيس وإخفاقه بمعناه الماركسي، والبراكسيسي الثوري الشامل، وإنها تكشف هذا الغياب، وستكون الحداثة داخل المجتمع البرجوازي، هي ظل الثورة الممكنة"

ويقول غالي شكري " وقديماً كان بودلير نبيا للشعر الحديث حين تبلور إحساسه المفاجئ العليل، بحياة فردية لا تـنسجم مع المثل التي ينادي بها العصر الذي يعيش فيه. 
ولتعرف من هو نبي الحداثة هذا الذي يقدسونه وينعتونه بكل جميل، أذكر لك بعض ما ذكره عنه مصطفى السحرتي في مقدمة ترجمة لديوانه (أزهار الشر): "لقد كانت مراحل حياته منذ الطفولة نموذجاً للضياع والشذوذ، ثم بعد نيل الثانوية قضى فترة في الحي اللاتيني حيث عاش عيشة فسوق وانحلال، وهناك أصيب بداء الزهري، عاش في شبابه عيشة تبذل وعلاقات شاذة مع مومسات باريس، ولاذ في المرحلة الأخيرة من حياته بالمخدرات والشراب"وقد توفي في الدائرة السادس عشرة بين إتوال و تروكاديرو في زقاق بمأوى الصحة التي كان يشرف على رعايتها الدكتور دوفال.
ويقول إبراهيم ناجي مترجم ديوان (أزهار الشر) لبودلير: "إن بودلير كان يحب تعذيب الآخرين ويتلذذ به، وكان يعيش مصاباً بمرض انفصام الشخصية
 ويكفي للدلالة على خسته أن فرنسا على ما فيها من انحلال وميوعة ومجون وفساد، منعت نشر بعض قصائده عندما طُبع ديوانه في باريس سنة 1957 م . ويقول عنه كاتب أوروبي: "إن بودلير شيطان من طراز خاص"، ويقول عنه آخر: "إنك لا تشم في شعره الأدب والفن، وإنما تشم منها رائحة الأفيون". هذا هو بودلير أبو الحداثة الذي تسود صفحات صحفنا بالحديث عنه والاستشهاد بأقواله وأشعاره.

وكان من رواد الحداثة الغربيين بعد بودلير (رامبو)، وهو كما يقول عبد الحميد جيدة: " دعا إلى هدم عقلاني لكل الحواس وأشكال الحب والعذاب والجنون، ودعا إلى أن يكون الشعر رؤية ما لا يرى، وسماع ما لا يسمع، وفي رأيه أن الشاعر لا بد أن يتمرد على التراث وعلى الماضي, ويقطع أية صلة مع المبادئ الأخلاقية والدينية …. وتميز شعره فنيا بغموضه، وتغييره لبنية التركيب والصياغة اللغوية عما وضعت له، وتميز أيضاً بالصور المتباعدة المتناقضة الممزقة"
وعلى آثاره كان (مالارميه) و (بول فاليري)، ووصلت الحداثة في الغرب شكلها النهائي على يدي الأمريكي اليهودي عزرا باوند، والإنجليزي توماس إليوت، وقد تأثرت بهم الموجات الأولى من الحداثيين العرب مثل : السياب، ونازك، والبياتي، وحاوي، وأدونيس وغيرهم تأثراً كبيراً، وتعتبر قصيدة الأرض الخراب لإليوت هي معلقة الحداثيين العرب بما حوته من غموض ورمزية، حولت الأدب إلى كيان مغلق، تتبدى في ثناياه الرموز والأساطير، واللغة الركيكة العامية، إلى آخر ما نراه اليوم من مظاهر لأدب الحداثيين اليومي . ثم واصلت الحداثة رحلتها حين قادها مجموعة من الشيوعيين مثل : نيرودا، وأراجون، وناظم حكمت، ويفتشنكو؛ أو من الوجوديين مثل: سارتر, وعشيقته البغي: سيمون دى بوفوار، والبيركامو.

هذا هو بتعميم وإيجاز شديد تاريخ الحداثة الغربية، وقد حدد الحداثي الشيوعي العربي غالي شكري الروافد التي غذت بذرة الحداثة الخبيثة فقال:
 "كانت هذه المجموعة من الكشوف تفصح عن نظرة تاريخية تستضيء بالماضي، لتفسر الحاضر وتتـنبأ بالمستقبل، فالمنهج الجدلي والمادية التاريخية يتعرفان على أصل المجتمع، ثم يفسران أزمة العصر أو النظام الرأسمالي، ثم يتـنبآن بالمجتمع الاشتراكي الذي ينعدم فيه الصراع الطبقي. أما الدارونية فتتعرف على أصل الإنسان العضوي ثم تفسر كيانه الراهن وتتـنبأ بالسوبرمان. وهكذا الميثولوجية تتعرف على أصل التكوين العقائدي للبشرية، ثم تفسر القلق العقائدي المعاصر، وتتـنبأ بما سيكون عليه حال الإنسانية القادمة، ومعنى ذلك أن رؤيا القرن التاسع عشر هي في جوهرها رؤيا علمية عقلانية تاريخية تستهدف الإنارة الكاملة للإنسان .

وهكذا انتهت الحداثة في النهاية إلى الجمع بين ضلالات البشر، فمن شيوعية مادية إلى دارونية تقول : "بأن أصل الإنسان حشرة "، وميثولوجية تنكر أن يكون الأصل في الأديان التوحيد، وأن الإنسان الأول ما لجأ إلى التدين إلا لجهله بالطبيعة وخوفه منها، حين لم يستطع أن يواجهها بالتفسير العلمي الصحيح

التكنولوجيا والعلم الحديث

المفهوم الشائع لمصطلح التكنولوجيا هو استعمال الكمبيوتر والأجهزة الحديثة ، و هذه النظرة محدودة الرؤية ، فالكمبيوتر نتيجة من نتائج التكنولوجيا ، بينما التكنولوجيا التى يقصدها هذا المقرر هى طريقة للتفكير وحل المشكلات ، وهى أسلوب التفكير الذى يوصل الفرد إلى النتائج المرجوة أى أنها وسيلة وليست نتيجة ، و أنها طريقة التفكير فى استخدام المعارف والمعلومات والمهارات بهدف الوصول إلى نتائج لإشباع حاجة الإنسان وزيادة قدراته  ، لذا يري اللقاني والجمل أن التكنولوجيا تعني الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية وتطبيقاتها وتطويعها لخدمة الإنسان ورفاهيته.                                                                                     
ويمكن تعريفها بأنها ” العلم الذي يعنى بعملية التطبيق المنهجي للبحوث والنظريات وتوظيف عناصر بشرية وغير بشرية فى مجال معين ، لمعالجة مشكلاته ، وتصميم الحلول العلمية المناسبة لها ، وتطويرها ، واستخدامها وإدارتها وتقويمها لتحقيق أهداف محددة".
ويرى آخرون أنها العلاقة بين الإنسان والمواد والأدوات كعناصر للتكنولوجيا وأن التطبيق التكنولوجي يبدأ لحظة تفاعل هذه العناصر معًا ، وتعرفها كوثر كوجك على أنها  جهد وفكر إنساني، وتطبيق المعلومات والمهارات لحل مشكلات الإنسان ، وتوفير احتياجاته وزيادة قدراته.
و هي التطبيق المنظم للمعرفة ، والعلوم الأخرى المنظمة ، في مجال معين أو التطبيق العلمي التي تتعلق بالعلوم الطبيعية بهدف الحصول على نتائج علمية محددة ، بمعني أنها الجانب التطبيقي للمعرفة والنظريات العلمية لتحقيق أهداف محددة.

 ويلخص حسين كامل بهاء الدين رؤيته لمفهوم التكنولوجيا قائلا:
إن التكنولوجيا فكر وأداء وحلول للمشكلات قبل أن تكون مجرد اقتناء معدات “  ، ويعتقد كل من ماهر إسماعيل صبري وصلاح الدين محمد توفيق  أن التكنولوجيا ليست مجرد علم أو تطبيق العلم أو مجرد أجهزة بل هي أعم وأشمل من ذلك بكثير فهي نشاط إنساني يشمل الجانب العلمي والجانب التطبيقي.

من خلال هذا العرض يمكننا تعريف التكنولوجيا على أنها:
" جهد إنساني و طريقة للتفكير فى استخدام المعلومات والمهارات والخبرات و العناصر البشرية وغير البشرية المتاحة فى مجال معين وتطبيقها فى اكتشاف وسائل تكنولوجية لحل مشكلات الإنسان وإشباع حاجاته وزيادة قدراته"
 خصائص التكنولوجيا:
1 - التكنولوجيا علم مستقل له أصوله وأهدافه ونظرياته
2 - التكنولوجيا علم تطبيقي يسعى لتطبيق المعرفة
3 - التكنولوجيا عملية تمس حياة الناس
4 - التكنولوجيا عملية تشتمل مدخلات وعمليات ومخرجات
5 - التكنولوجيا عملية شاملة لجميع العمليات الخاصة بالتصميم والتطوير والإدارة
6 - التكنولوجيا عملية ديناميكية أى أنها حالة من التفاعل النشط المستمر بين المكونات
7 - التكنولوجيا عملية نظامية تعنى بالمنظومات ومخرجاتها نظم كاملة أى أنها نظام من نظام
8 - التكنولوجيا هادفة تهدف للوصول إلى حل المشكلات
9 - التكنولوجيا متطورة ذاتيًا تستمر دائمًا فى عمليات المراجعة والتعديل والتحسين.

يمكن تحديد المكونات الثلاثة التالية للتكنولوجيا:
المدخلات:
وتشمل جميع العناصر والمكونات اللازمة لتطوير المنتج ، من :  أفراد ، نظريات وبحوث ، أهداف ، آلات ، مواد وخامات ، أموال ، تنظيمات إدارية ، أساليب عمل ، تسهيلات.
العمليات :
وهى الطريقة المنهجية المنظمة التى تعالج بها المدخلات لتشكيل المنتج.
المخرجات:
وهى المنتج النهائي فى شكل نظام كامل وجاهز للاستخدام كحلول للمشكلات.

 التربية التكنولوجية:
عرف اليونسكو التربية التكنولوجية على أنها تلك الحاجات الإنسانية المعرفية و المهارية التي يعتمد عليها الفرد فى حياته ، وهى ذاتها تعتمد بدورها على نظم التربية وأساليب التكنولوجيا ، بينما عرفها جراى على أنها خطة لتنفيذ حاجات المجتمع ومتطلباته ، بداية من التدريب على مهارات التفكير ومرورًا بعمليات تطوير المهارات المطلوبة لقوة العمل ، وانتهاءً بتحقيق أهداف تنمية الفرد والمجتمع ، وهى مسئولية المؤسسات التربوية ؛ لأنها مجال من المجالات النوعية فى الميدان التربوي ، لذا يجب تطبيق مناهج التربية التكنولوجية فى مدارسنا بعد اختيار ما يناسب مجتمعنا ، كما أجمع الباحثون على ذلك, وعرفها كل من  ماهر صبري وصلاح الدين توفيق بأنها:  عملية هادفة ومنظمة يتم من خلالها تزويد الفرد بالقدر اللازم من الخبرات التكنولوجية من معارف ومهارات واتجاهات وسلوك وأخلاقيات والتي تعمل علي تنوير هذا الفرد وتثقيفه تكنولوجيا ، بينما يعرفها كل من أحمد اللقاني وعلي الجمل  علي أنها نوع من الفكر يركز علي كفايات الفرد من حيث تناول المواد الدراسية وتبسيطها وتنويعها ، وبالشكل الذي يتناسب مع كل متعلم ، ويهتم هذا الفكر بوسيلة نقل محتوي المادة العلمية والأجهزة والمعدات والمواقف التعليمية.  
                   
عناصر التربية التكنولوجية:
القدرة التكنولوجية:
وهذا يعنى قدرة الاشتراك فى العمليات النشطة للتكنولوجيا بمعنى:
- معرفة الاحتياجات والفرص للحلول التكنولوجية.
- التصميم والتنفيذ والتصنيع والبيع والتشغيل والصيانة واستخدام المنتجات التكنولوجية.
- الاكتساب والتطبيق للمعرفة والفهم والمهارات.
- الاختبار والتقييم للمنتجات التكنولوجية.

االإعلان و الإشهار


1. الإشهار أصبح واحداً من أكثر نشاطات الاتصال تأثيراً على المجتمعات المعاصرة.
2. كما يؤثر الإشهار في ترويج السلع والخدمات، فإنه يسهم عملياً في نشر القيم والاتجاهات الجديدة، ويعمل على تغيير العادات والأذواق لدى الناس.
3. حينما يتلقى مجتمع ما إعلانات تم إنتاجها من قبل ثقافة مغايرة لثقافته فإنها تحمل معها قيم ثقافتها، وقد تكون عاملاً من عوامل التغيير الاجتماعي.

أولاً: تعريف الإشهار
« الإعلان هو اتصال غير شخصي للمعلومات، وهو ذو طبيعة إقناعية، حول المنتجات والخدمات والأفكار، لمموّل معروف، يدفع ثمن إعلانه في الوسائل الإعلامية المختلفة.


ثانياً: وظائف الإشهار
1. الوظيفة التسويقية: إقناع المستهلك بشراء السلعة الجديدة أو تكرار شراء السلعة، وتثبيتها كعادة شرائية دائمة.
2. الوظيفة الاقتصادية: زيادة التسويق وزيادة الإنتاج، مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي.
3. الوظيفة التعليمية: تعلم المجتمع أشياء جديدة حول المبتكرات والمخترعات، والمعدات التكنولوجية الجديدة.
4. الوظيفة الاجتماعية: الإعلان يقدم منتجات وسلع وخدمات تعمل على رفع مستوى الحياة وتحسين ظروفها.
5. الوظيفة الترفيهية: يمثل الإعلان جانباً ترفيهياً مثل الإعلانات التلفزيونية.

ثالثاً: الأوتار الإقناعية في الرسالة الإشهارية
تعتمد الرسالة الإشهار ية من حيث صياغة مضمونها على ما يسمى بالمغريات أو الميول أو الدوافع أو الرغبات أو الحاجات أو الأوتار، بحيث يخاطب المعلن المستهلك المستهدف معتمداً على المنطق أو العاطفة أو كليهما، من خلال استخدام نوعيات محددة من الأوتار الإقناعية وذلك على النحو الآتي:
1. الحاجة للطعام والشراب: ويتم استخدامها لترويج السلع والخدمات الغذائية.
2. حب الاقتصاد والحصول على المكسب: ويسمى أيضاً " وتر السعر والقيمة " حيث يركز على إعطاء المشتري عائد يفوق ما دفعه عند شراء السلعة، من خلال التخفيضات، والأسعار المغرية، والمسابقات، والجوائز والهدايا.

3. الميل إلى المحاكاة: وتكون المحاكاة غالباً للمشهورين،،وهذا يؤدي مثلاً إلى أن الإعلان الذي يظهر أحد المشهورين يتناول مشروباً ما سيقود إلى استحضار صورة النجم عند تناول المستهلك لنفس المنتج.

4. الرغبة في الاقتناء والتملك: وهي من الأوتار المهمة التي تمثل غريزة موجودة لدى البشر.

5. الرغبة في الراحة وبذل أقل مجهود ممكن: وهنا يلجأ المعلنون إلى العبارات والكلمات التي تؤكد على راحة المستهلك وقلة المجهود المبذول.

6. الميل إلى التميز وحب التظاهر: وذلك بالتأكيد على جودة السلعة نفسها، والهالة التي سوف يضيفها استعمالها على من يقتنيها.

7. الحاجة إلى الصحة والجمال: وتستخدم في المنتجات والخدمات الصحية والتجميلية.

8. وتر التخويف والحاجة إلى الأمن: يتم التركيز على النتائج السلبية المترتبة على عدم استخدام الفرد للسلعة أو الخدمة المعلن عنا.

9. عاطفة الأمومة والأبوة: وهو عامل نفسي مهم ويؤثر في بناء الرسالة الإقناعية للسلع والخدمات التي تخص الطفل.

10. الحاجة إلى لفت نظر الآخرين والاستحواذ على إعجابهم: يستخدم هذا الوتر لإقناع المستهلك بأن استعماله السلعة المعلن عنها سيجعله موضع اهتمام الآخرين، والاستحواذ على إعجابهم، وبخاصة الجنس الآخر.

رابعاً: من إيجابيات الإشهار
1. الإشهار يقدم بعض أنواع المبتكرات، التي تعمل على تحسين مستوى المعيشة والحياة لدى المجتمع.
  2. الإشهار يوسع الأسواق للسلع، مما يزيد من كمية إنتاجها ويؤدي إلى خفض تكاليفها.

  3. الإعلان يزيد حدة المنافسة بين المنتجين، لتحسين الجودة، وتخفيض التكلفة، وزيادة الخدمات لاجتذاب المستهلك.

4. الإشهار يعطي المعلومة للمستهلك، عن الجودة والسعر والخدمات، للمقارنة بين السلع المتنافسة، ويمنحه حق الاختيار.

خامساً: من سلبيات الإشهار
1. الإشهار يسهم بفعالية في توسيع دائرة الاستهلاك، ويؤدي إلى خلق أنماط جديدة من السلوك الاستهلاكي لدى المجتمع.
2.
الإشهار يخلق لدى الإنسان حاجات ورغبات في شراء سلع ليس بحاجة إليها، ويضطره إلى صرف مال لم يكن ليصرفه لولا مفعول الإعلان، مما يؤدي إلى هدر اقتصادي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
3. تلتبس الممارسة الإعلانية وصناعة الإعلان أحياناً بمشكلات وسلبيات كثيرة تفتقد الأخلاقيات.

الابداع الفني

الفن بمختلف أنواعه (السينما، المسرح، النحت، الرسم،الأدب...) هو أحد وسائل الاتصال، ورحلة العمل الفني من الفكرة إلى التجسيد ثم تلقي الجمهور هي سيرورة الابداع الفني.
 يقرأ المؤلف سيرورة الابداع الفني على ضوء النظرية الجمالية الماركسية التي تختلف في نقاط كثيرة مع علم الجمال الفرويدي، وبما أن الفن أحد وسائل الاتصال فيتناول كاغان في كتابه هذه العناصر ودورها في سيرورة الابداع الفني، وعلى الرغم من عدم وجودها ضمن عناوين وتقسيمات رئيسية وفرعية تيسر الفهم.

من أين تبدأ سيرورة الابداع الفني؟
 الجزء الأول من الكتاب يتحدث فيه كاغان عن الفنان (المرسل)، المحور الأساسي الذي تبدأ سيرورة الابداع من عنده، ويتناول عناصر وشروط الابداع لديه التي تمهد للأفكاربان تولد: شخصية الفنان، الموهبة الفنية، التجربة الحياتية، التأملات في هذه التجربة، حيث انتاجه الابداعي هو ثمرة كل هذا، مع التركيز على أهمية معرفة وتجربة الحياة، فاي عمل ابداعي هو في نهاية المطاف ليس إلا انعكاسا لهذه التجربة، وكلما كان الفنان على معرفة واسعة و فهم عميق بالحياة، كلما كان قادر من خلال ابداعه على إعادة صياغة العلاقات الواقعية الحياتية، وكلما ابدعت موهبته بنجاح.
 لكن موهبة الفنان ليست العنصر الوحيد الذي يعتمد عليه نجاح الفنان، إنما هناك أيضا عوامل آخرى منها:
أولا: منهج الفنان الابداعي الذي هو الجسر بين موهبة الفنان وتأملاته الحياتيه، فيتناول الكاتب عناصر المنهج الابداعي الأربع: المعرفي، التقييمي، البنائي، والاشاري، ودورها في العمل الفني الذي يتكون بواسطة الصلة المتبادلة بين هذه العناصر.
ثانيا: المهارة وهي الوسيلة اللازمة لبناء العمل الفني، فتتحول من خلالها الاحتمالات الابداعية الكامنة إلى تجسيم مادي، وهي من تظهر إذا كانت الفكرة الفنية المعنية قد تحققت أم لم تتحقق، وبما أن المهارة في الفن هي قوة ثانية مع الموهبة فيعرض كاغان وظائفها واختلافها عن الموهبة.

العمل الفني نتيجة سيرورة ابداعية طويلة ومعقدة
 سيرورة أي عمل فني كان - منها السينما- تمر في ثلاث مراحل، هي ما يتناوله الكاتب بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا الكتاب وهي: (الطور الجيني) ولادة الفكرة، مرحلة (التجسيد المادي) وفيها قد يختلف تجسيد الفكرة ماديا عما كان متخيلا، أما المرحلة الثالثة فهي (التلقي) حين يستقل العمل عن صاحبه ويصبح ملكا للجمهور، ويمنح حيزا كبيرا من الحديث في هذا الجزء لمرحلة التجسيد المادي التي هي بشكل أو بآخر إحدى عناصر الاتصال؛ الشكل، والمضمون (النص المرسل)، ويبحث في طبيعة العلاقة الجدلية بينهما، أيهما أسبق، هل يتبع الشكل المضمون أو العكس.

استقبال العمل الفني... اكتشاف المجهول
أما الجزء الثالث فيُستكمل الحديث فيه عن عنصرين مهمين وهما: المُستقبِل (الجمهور)، والتغذية الراجعة (النقد الفني)، فالاستقبال الفني نظام ديناميكي معقد، وتختلف مستويات التلقي وقراءة العمل الفني وتقيمه تبعا لاختلاف ثقافة وتجارب كل متلقي، واستقبال كل عمل فني يتحول إلى اكتشاف ما هو مجهول، ولا ينتهي دور المتلقي عند استقبال العمل الفني، إنما يذهب أبعد من ذلك إلى المشاركة في الخلق من خلال مساهمة مخيلته الابداعية في اعادة خلق بالتوافق مع تأويله الخاص للعمل الفني.
 لكن الاستقبال الفني كما يراها كاغان ليس الحلقة النهائية في نظام الاتصال الفني، إنما الدور الختامي يلعبه النقد الفني، الذي تكمُن وظيفته في تحقيق الصلة العكسية في النظام المعني، أي أن حركة المعلومات (الرسالة) تسير في نظام الاتصال الفني باتجاهين؛ من الفنان إلى المستقبل (الناقد) وبالعكس بما يعرف بالتغذية الراجعة، التي مع تطور الثقافة والوعي الفني، تجاوزت التقييمات الاجمالية البسيطة؛ كعمل رائع، أو بائس...، إلى عمل تحليلي نقدي عميق، يؤثر على توجيه الابداع الفني والجمهور المستهلك معا.
 في النهاية المهتم في العمل الابداعي بشكل عام وفي السينما بشكل خاص، قد يتشكل لديه الرغبة في سبر غور آلية الابداع وفهم كيف تبدأ الفكرة والمراحل والتحولات التي تمر بها إلى أن تصل إلى متناول أيدينا، وبهذا يعتبر هذا الكتاب مقدمة لهذا الفهم.