الصورة وتأثيرها


من سمات عصرنا الراهن أنه «عصر الصورة»، مما يعني هيمنة الصورة وسيادتها لتكون إحدى أهم أدوات عالمنا المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، والصورة ليست أمراً مستجداً في التاريخ الإنساني، وإنما تحولت من الهامش إلى المركز، ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة والسيادة على غيرها من العناصر والأدوات الثقافية والإعلامية.


أولاً: قوة الصورة في إيصال الرسالة الإعلامية

1. البصر أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات.

2. قوة الصورة تنطلق من مفهوم التصديق والتكذيب، لأن الرؤية البصرية هي أساس التصديق، ولذلك يقال «ليس راءٍ كمن سمعا».
 
3. الصورة تخاطب كل البشر، المتعلم والأمي، الصغير والكبير، وتكسر حاجز اللغات، لذلك فهي الأوسع انتشاراً.

4. تختلف الصورة عن الكلمة المنطوقة أو المكتوبة لأنها ترتبط بشيء ملموس ومحسوس ومحدد، والكلمة مرتبطة بشيء تجريدي، غير ملموس، ويتصف بالتعميم.

5. تختلف الصورة عن الكلمة المكتوبة في سهولة التلقي، لأن القراءة تتطلب التأمل وإشغال الذهن، أما الصورة فلا تحتاج جهداً ذهنياً كبيراً لتلقيها.

6. الصورة تختلف عن النص المكتوب، الذي يتطلب تفكيك العلاقات القائمة بين الكلمات، بجهد وتركيز وبطء، بينما الصورة تعطي الرسالة دفعة واحدة.

7. من أجل ذلك انتشر المثل المشهور الذي يقول: "إن الصورة تساوي ألف كلمة".


ثانياً: الصورة التلفزيونية والتأثير

1. إن الصورة في التلفزيون أخذت بعداً جديداً يزيد على الصورة الثابتة، فهي صورة حية تتكلم وتتحرك، وهذا أعطاها فعلاً تأثيرياً إضافياً.

2. يزداد تأثير الصورة بسبب تكوينها التقني وبلاغتها التكنولوجية، وإشباعها بالألوان الأصوات والمؤثرات، بحيث تستفز أحاسيس المشاهد البصرية والسمعية وتستحوذ عليه.

3. لقد تفوق التلفزيون على كل وسائل الاتصال والإعلام الأخرى بسبب سطوة الصورة المتحركة، ولأنه يأتي في بيتك، وفي غرفة نومك، وفي جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وجهاز الهاتف المتحرك الذي تحمله في جيبك.

4. إن الصورة التلفزيونية المتحركة ببهائها وألوانها الزاهية جذابة ومغرية، توحي بالاسترخاء، وتمنح متعة التلقي.

5. إن الصورة التلفزيونية بالغة التأثير، بسبب سرعتها الخاطفة، وتعاقبها الشديد، فلا يجد الذهن وقتاً للتفكير والتمعن والتأمل.

6. من أجل ذلك أصبحت الصورة الحية أكثر الوسائل الإعلامية إقناعاً، وقدرةً على التأثير.


ثالثاً: الصورة رسالة

1.      الصورة رسالة بين مرسل ومستقبل، وهي رسالة ذات مضمون، إما أن تكون ذات مضمون سطحي للاستهلاك، أو مضمون عميق له شفرة وألغاز يجب حلها، أو مضمون يستقر في العقل الباطن للمتلقي دون أن يشعر.

2. الصورة تعكس هدف من قام بإنتاجها وعرضها.

3. إن الصورة المعروضة أو اللقطة المشاهدة هي خيار منتجها وعارضها، فهي واحدة من بين عشرات أو مئات الصور الأخرى المرتبطة بالشيء نفسه، أو الحدث ( المصور ) نفسه لكن قد تم استبعادها واختيرت الصورة المعروضة.

4. عملية اختيار الصورة تهدف إلى إرسال رسالة بعينها، أو بث معنى محدد، وقد تكون الرسالة محاولة لتشويه الحقيقة أو مواربتها، فزاوية اللقطة وحدودها، وعملية المونتاج التي تتعرض لها، والسياق الذي تبث فيه، والتعليق الصوتي أو المكتوب الذي يصاحبها، ووقت البث ومناسبته، كلها عوامل تساهم في إحداث أثر معين ( مخطط له ) ومقصود بذاته في ذهن المتلقي.

5. إن الصورة ليست محايدة، بل هي متحيّزة أحياناً، وقادرة على إخفاء ذلك التحيّز.

6. إن قراءة الصورة عند الأمي تختلف عن قراءتها لدى المتعلم والمثقف، لأن المثقف يحاول الوصول إلى المعنى الكامن في ما وراء الصورة، وليس الاكتفاء بالمتعة البصرية.

رابعاً: من نتائج ثقافة الصورة

1. أصبحت الصورة تتلاعب بالعقول، وتفصل متابعها عن العالم الحقيقي، بحيث لا يعود يعرف الواقع إلا من خلال الصورة المتتالية المسيطرة.

2. استطاعت الصورة أن تمارس هيمنة وسلطة على المتلقي المنبهر، والمشاهد المستهلك السلبي، الذي تقتصر لذته على المتعة البصرية.

3. استطاعت الصورة أن تكون عنصراً أساسياً في تشكيل شخصية الإنسان، وفي تشكيل تصوراته عن الواقع، بشكل يفوق خبراته الفعلية اليومية المعاشة.

4. لقد أدت صناعة الصورة إلى هيمنة ثقافة المظهر والشكل، والإبهار واللمعان والاستعراض، على حساب ثقافة الجوهر والمضمون، والقيمة والعمق.

5. أصبحت الصورة قادرة على توجيه سلوك المستهلك، والتحكم بذوقه وعقله، وتحديد ماذا يأكل، وماذا يشرب، وكيف يلبس، وكيف يتصرف.
 
6. توغلت الصورة داخل وعي الإنسان وأصبحت تؤسس لاختيارات وتفضيلات، وتحفيزات وتحيّّزات، وتطلق حاجيات، وتحدث رغبات.

7. وفي عصر صناعة الصورة أصبحت الصورة تقيم معادلاً خيالياً للواقع، بل يصبح الواقع أحياناً صورة شاحبة عن الصورة، فتكون الصورة هي الأساس وليس الواقع، وأصبحت الصورة أحياناً تسبق الواقع وتمهد له.

سادساً: الصورة والإعلام الجديد

إن اندماج التقنيات وتداخلها وتطورها خلال السنوات الأخيرة، مع بروز وسائل الإعلام الجديد، يعطي كثيراً من الثقافات فرصة ذهبية جديدة لإثبات وجودهم، وحماية أنفسهم، وتدعيم ذواتهم، من خلال المشاركة بفعالية في معركة الصورة العالمية، التي أصبحت متاحة للجميع، بل إن آلة التصوير الفوتوغرافي وتصوير مقاطع الفيديو أصبحت ترافقنا باستمرار ضمن الهواتف المتنقلة في جيوبنا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire