اجتازت البلاد الإسلامية كثير من الطرق البرية والبحرية التي تصل الى البلاد الحجازية عبر العصور، وهذه الطرق ازدادت شهرتها في العصور الوسطى، كما ظهرت طرق جديدة أكثر تطوراً، وقد لعبت طرق الحج من بلاد الإسلام المختلفة الى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة دوراً حيوياً عبر التاريخ الإسلامي في تحقيق التواصل الثقافي والسياسي وتقوية أواصر العلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية، فيما بين البلدان الاسلامية بعضها مع بعض، وآثار هذه الطرق ما زالت باقية للعيان حتى وقتنا الحاضر، وتتمثل هذه المشاهد في آثار الآبار والبرك ومنازل الحجاج التي كانت تعمر هذه الطرق وتخدم حجاج بيت الله الحرام، وهناك أربعة طرق رئيسية كانت تعبرها قوافل الحج حتى تصل الى البلاد الحجازية، وهذه الطرق حسب أهميتها هي:
الطريق المستخدم لحجاج بلاد الغرب الاسلامي
تبدأ قوافل حجاج بلاد الغرب الاسلامي بالانطلاق من مدن المغرب، كمراكش وفاس وسلا، وأحياناً كانت تضم حجاج السنغال، وبعد تجمع الحجاج تنطلق قافلتهم سالكة إما الطريق البري المحاذي للبحر المتوسط أو الطريق البحري عبر البحر المتوسط.
واعتادت هذه القافلة ان تكون على موعد مع غيرها من قوافل الحج للحجاج الجزائريين والتونسيين والليبيين، وذلك لمرور طريق الحج بمدن المهدية وصفاقس وسوسة وطرابلس وبرقة وطبرق، ثم تعبر هذه القوافل مجتمعة الأراضي المصرية بمحاذاة الساحل حتى تصل الى ميناء الاسكندرية ثم رشيد، وبعدها تركب قوافل الحجاج المركب النيلية عبر فرع رشيد، الى ان تصل جميعها الى القاهرة، وتلتقي مع قافلة الحج المصرية حتى تأنس بها ذهاباً وإياباً عند مكان شمال القاهرة كان يعرف آنذاك ببركة الحاج، وموقعه حالياً القرية المعروفة باسم البركة إحدى قرى مركز شبين القناطر محافظة القليوبية.
ثم تواصل جميع القوافل مسيرتها برا حتى تصل الى ميناء القلزم (السويس حاليا)، ومنها إما مواصلة الطريق البري عبر سيناء، ثم محاذاة البحر الأحمر براً الى مدينة جدة او تبحر القوافل في السفن عبر البحر الأحمر الى ميناء جدة، ومنها براً الى المدينة ثم مكة، إلا ان هذا الطريق تعرض للتوقف ونقل الحجاج فترة استيلاء الصليبيين على بلاد الشام وميناء العقبة، واستطاع صلاح الدين الأيوبي ان يمهد طريقاً آخر لتأمين سلامة الحجاج، حيث اتجهت قوافل الحجاج عبر النيل الى مدينة قوص، ومنها يعبرون الصحراء الى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم يركبون البحر الى جدة، ثم يستكملون طريقهم براً من جدة الى المدينة ثم مكة، ولنتصور مدى الصعوبة والمشقة التي كان يقطعها الحجاج المغاربة والمصريون عبر هذا الطريق، ويذكر لنا المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه الخطط ان هذا الطريق ظل مسلكاً للحجاج من سنة 450 هـ الى سنة 660 هـ ومع انتهاء الوجود الصليبي عاد الحجاج الى استخدام طريق سيناء والبحر الأحمر مرة ثانية لنشاطه.
طريق قوافل حجاج بلاد الشام
الطريق المستخدم لحجاج بلاد الغرب الاسلامي
تبدأ قوافل حجاج بلاد الغرب الاسلامي بالانطلاق من مدن المغرب، كمراكش وفاس وسلا، وأحياناً كانت تضم حجاج السنغال، وبعد تجمع الحجاج تنطلق قافلتهم سالكة إما الطريق البري المحاذي للبحر المتوسط أو الطريق البحري عبر البحر المتوسط.
واعتادت هذه القافلة ان تكون على موعد مع غيرها من قوافل الحج للحجاج الجزائريين والتونسيين والليبيين، وذلك لمرور طريق الحج بمدن المهدية وصفاقس وسوسة وطرابلس وبرقة وطبرق، ثم تعبر هذه القوافل مجتمعة الأراضي المصرية بمحاذاة الساحل حتى تصل الى ميناء الاسكندرية ثم رشيد، وبعدها تركب قوافل الحجاج المركب النيلية عبر فرع رشيد، الى ان تصل جميعها الى القاهرة، وتلتقي مع قافلة الحج المصرية حتى تأنس بها ذهاباً وإياباً عند مكان شمال القاهرة كان يعرف آنذاك ببركة الحاج، وموقعه حالياً القرية المعروفة باسم البركة إحدى قرى مركز شبين القناطر محافظة القليوبية.
ثم تواصل جميع القوافل مسيرتها برا حتى تصل الى ميناء القلزم (السويس حاليا)، ومنها إما مواصلة الطريق البري عبر سيناء، ثم محاذاة البحر الأحمر براً الى مدينة جدة او تبحر القوافل في السفن عبر البحر الأحمر الى ميناء جدة، ومنها براً الى المدينة ثم مكة، إلا ان هذا الطريق تعرض للتوقف ونقل الحجاج فترة استيلاء الصليبيين على بلاد الشام وميناء العقبة، واستطاع صلاح الدين الأيوبي ان يمهد طريقاً آخر لتأمين سلامة الحجاج، حيث اتجهت قوافل الحجاج عبر النيل الى مدينة قوص، ومنها يعبرون الصحراء الى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم يركبون البحر الى جدة، ثم يستكملون طريقهم براً من جدة الى المدينة ثم مكة، ولنتصور مدى الصعوبة والمشقة التي كان يقطعها الحجاج المغاربة والمصريون عبر هذا الطريق، ويذكر لنا المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه الخطط ان هذا الطريق ظل مسلكاً للحجاج من سنة 450 هـ الى سنة 660 هـ ومع انتهاء الوجود الصليبي عاد الحجاج الى استخدام طريق سيناء والبحر الأحمر مرة ثانية لنشاطه.
طريق قوافل حجاج بلاد الشام
على الرغم من ان بلاد الشام جميعها - وهي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن - ذات طبيعة ثقافية متقاربة ان لم تكن متشابهة إلا انها كانت لها أربع قوافل مختلفة تنطلق من مدنها، فمنها قافلة الحج الشامي، وقافلة الحج الحلبي من مدينة حلب، وقافلة الحج القدسي، من مدينة القدس وكانت تتجمع هذه القوافل وتسلك الطريق البري الذي يبدأ من مدينة دمشق ويتجه جنوباً الى المدينة المنورة أولاً ثم الى مكة المكرمة، وبين دمشق والمدينة كانت القوافل تمر على حوالي 34 كيلومترا، يسلكها الحجاج براً مما كان يعرضهم للمشاق والمهالك.
طريق قافلة الحجاج العراقيين
كان الحجاج العراقيون يسلكون الطريق البري بين الكوفة ومكة، وكذلك الطريق البصري الذي يبدأ من مدينة البصرة، ومن أهم طرقهم درب زبيدة الذي مهدته زوجة الخليفة هارون الرشيد، والذي انشأته لكي يسلكه الحجاج والمعتمرون بأمان من الضياع وقطاع الطرق، وتميز هذا الطريق بأنه كان دقيقاً في مساراته وكان يستخدمه ايضاً الحجاج القادمون من بلاد شرق العالم الإسلامي.
طريق قافلة الحجاج اليمنيين
كان حجاج اليمن في رحلتهم يسلكون الطريق البري، حيث كانوا يجتمعون من المدن اليمنية عند منطقة تسمى دار لاملك، ومنها يواصلون مسيرة رحلتهم البرية الى بلاد الحجاز حتى يصلوا الى منطقة يلملم، وهذه المنطقة هي ميقات أهل اليمن، حيث يحرمون منها، ثم يتجهون الى بئر علي، ثم الى مكة المكرمة.
نماذج من المشاق
يذكر ابن الجوزي صاحب كتاب »مرآة الزمان« في حوادث سنة 692 هـ تعرض قافلة الحجاج الشامية الى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل امرىء بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة، وكثيراً ما كانت السيول تداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحجاج اليمنيون ايضاً يفضلون الحج عن طريق البحر، على الرغم من مخاطره، حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العربان وقطاع الطرق البرية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire