الحـــــــوار

يؤكد المهتمون بأدبيات التربية بأن الحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر لما له من أثر في تنمية قدرة الأفراد على التفكير المشترك والتحليل والاستدلال، كما ان الحوار من الأنشطة التي تحرر الإنسان من الانغلاق والانعزالية وتفتح له قنوات للتواصل يكتسب من خلالها المزيد من المعرفة والوعي، كما انه طريقة للتفكير الجماعي والنقد الفكري الذي يؤدي إلى توليد الأفكار والبعد عن الجمود ويكتسب الحوار أهميته من كونه وسيلة للتآلف والتعاون وبديلاً عن سوء الفهم والتقوقع والتعسف.

ومفهوم الحوار:

 لغة: الجواب، وقيل المحاورة: المجاوبة والتحاور والتجاوب.

واصطلاحاً:

 حوار يجري بين اثنين أو أكثر حول موضوع محدد للوصول إلى هدف معين.

ولقد أكد ديننا الإسلامي على قيمة الحوار وأهميته في حياة الأمم والشعوب، وذلك من خلال ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال سبحانه {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وهذا توجيه حكيم إلى أمة محمد بأهمية استخدام الحكمة والحوار في دعوة الناس إلى طريق الحق من خلال الحوار الهادف والتذكير بالله والمجادلة بالكلم الطيب مما يشير إلى قيمة كبيرة في حياة كل مسلم وهي استخدام الكلمة الطيبة والدعوة الصادقة في التعامل مع الناس وفي حوار الآخر وفي التأكيد على قيمة الرفق بالآخر والصبر وإظهار محاسن الدين بالقدوة الحسنة.

 الحوار: من المُحاورة؛ وهي المُراجعة في الكلام.

 الجدال: من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها.

 والحوار والجدال ذو دلالة واحدة، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: مناقشة بين طرفين أو أطراف، يُقصد بها تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، ودفع شبهةٍ، وردُّ الفاسد من القول والرأي.

 وقد يكون من الوسائل في ذلك: الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة.

 غاية الحوار:

 الغاية من الحوار إقامةُ الحجة، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي. فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، وثَمَّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهِّدة لهذا الغاية منها:

- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف

- التعرُّف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى

- البحث والتنقيب، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة

 وقوع الخلاف بين الناس:

 الخلاف واقع بين الناس وهو سنَّة الله في خلقه، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود:119)

 يقول الفخر الرازي: "والمراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال"إلا أن الله وضع على الحقِّ معالمَ، وجعل على الصراط المستقيم منائرَ.. وعليه حُمِلَ الاستثناء في الآية في قوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود:119) وهو المنصوص عليه في الآية الأخرى في قوله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} (البقرة:213)

 مواطن الاتفاق:

 إنّ بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة وفُشُوِّ روح التفاهم، ويصير به الحوار هادئاً وهادفاً.  ومما قاله بعض المُتمرّسين في هذا الشأن:

 دَعْ صاحبك في الطرف الآخر يوافق ويجيب بـ(نعم)، وحِلْ ما استطعت بينه وبين (لا) ويُعين على هذا المسلك ويقود إليه؛ إشعارك مُحدثَّك بمشاركتك له في بعض قناعاته؛ وقد قال علماؤنا: إن أكثر الجهل إنما يقع في النفي؛ الذي هو الجحود والتكذيب؛ لا في الإثبات، لأن إحاطة الإنسان بما يُثْبتُه أيسر من إحاطته بما ينفيه؛

 أصول الحوار:

 الأصل الأول:

 سلوك الطرق العلمية والتزامها، ومن هذه الطرق:

1 - تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى

2 - صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة

 الأصل الثاني:

 سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض؛ فالمتناقض ساقط بداهة.

 ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من:

-  وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله: {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (الذريات:39)

- نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (القمر:2)

 الأصل الثالث:

 ألا يكون الدليل هو عين الدعوى؛

 الأصل الرابع:

 الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة.

 الأصل الخامس:

 التجرُّد، وقصد الحق، والبعد عن التعصب، والالتزام بآداب الحوار:

 إن إتباع الحق، والسعي للوصول إليه، والحرص على الالتزام؛ وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء، أو هوى الجمهور، أو الأتْباع.. والعاقل ـ فضلاً عن المسلم ـ الصادق طالبٌ حقٍّ، باحثٌ عن الحقيقة، ينشد الصواب ويتجنب الخطأ.

 الأصل السادس:

 أهلية المحاور:

 إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً.

 الأصل السابع:

 قطعية النتائج ونسبيَّتها:

 من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى. وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب.

 آداب الحوار:

- التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام:

 {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن} (الاسراء: 53). {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} (النحل: 125

 {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة: 83)

 فحق العاقل اللبيب طالب الحق، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز.

 {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج: 68-69)

 وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (سـبأ:24). مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم داحضة.

 ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج،

- الالتزام بوقت محدد في الكلام:

 ينبغي أن يستقر في ذهن المُحاور ألا يستأثر بالكلام، ويستطيل في الحديث، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع.

- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة

- تقدير الخصم واحترامه، ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف،

- حصر المناظرات في مكان محدود، يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور؛

- الإخلاص: 

 هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته.ومن الجميل، وغاية النبل، والصدق الصادق مع النفس، وقوة الإرادة، وعمق الإخلاص؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام، ومدخولات النوايا. وهذا ما تيسر تدوينه والله وليُّ التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire