القرض الحسن هو أحد أبواب التكافل الاجتماعي التي شرعها الإسلام وحث عليها ورتب عليها الأجر، وقد ورد القرض الحسن في القرآن الكريم في مواضع عدة قال تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط إليه ترجعون» (البقرة ـ 245). وقال تعالى: «ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا» (المائدة ـ 12). وقال تعالى: «إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم» (الحديد ـ 18). وقال تعالى: «إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم» (التغابن ـ 17) وقال تعالى: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا» (المزمل ـ 20). قال الحسن رحمه الله كل ما في القرآن من لفظ القرض فهو التطوع، وقيل هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها إذا قدمها محتسبا صادقا. ومن هنا نجد أن بعض العلماء قد قصر القرض الوارد في القرآن الكريم على ما ينفقه العبد على وجه التقرب إلى الله من وجوه الإنفاق المختلفة التي لا يسعى المنفق فيها إلى استرداد ما أنفق بحيث يكون العوض منه سبحانه وتعالى يوم القيامة كالهبات والصدقات وتجهيز الجيوش والغزاة في سبيل الله. إلا أنني أرى أنه لا يجب قصرها على هذا النوع من القربات، بل يدخل فيها ما يقدمه المسلم لأخيه المسلم من القرض الحسن إذا فعل ذلك بنية التقرب إلى الله بالتيسير على أخيه المسلم. ويعضد قولي هذا الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!، يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي>>.
حيث نلحظ أن اللفظ القرآني ورد بلفظ القرض الحسن ولم يرد بلفظ الإنفاق أو الصدقة مع أن القرآن مليء بالآيات الواردة بهذين اللفظين وأمثالهما التي تحث على الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى: «قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين» (سبأ ـ 3) وذلك لمعنى زائد فيه وهو حث المسلمين على تقديم القرض الحسن لإخوانهم على سبيل التقرب إلى الله وطلب الأجر منه لأنه من عقود الارتفاق. حيث إن المقرض لا يعود عليه من قرضه نفعا سوى الأجر والمثوبة من الله، لأنه لو زاد أو استزاد لدخل في الربا المحرم شرعا الملعون آكله وموكله، كاتبه وشاهدوه كما في الحديث الذي رواه مسلم. بل إن القرض الحسن في الإسلام أفضل من الصدقة كما جاء بذلك الحديث الذي رواه أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخل رجل الجنة فرأى مكتوبا على بابها: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر». (أخرجه البيهقي في السنن والطبراني في الكبير، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3407).
ومع أهمية القرض الحسن في الإسلام وما رتب الله عليه من الأجر إلا أننا لا نجد له أثرا في ثقافة الصيرفة الإسلامية اليوم مع أنه يمكن أن يصنف ضمن المسؤولية الاجتماعية لهذه الصناعة، حيث إنه يعتبر أحد الروافد التي حث عليها الإسلام لسد الفجوة بين الفقراء والأغنياء ونقل الثروة من ذوي الفائض إلى المحتاجين. كما أنه يساهم في زيادة الإنتاجية في المجتمع، حيث إن قنوات التمويل للفئات ذات الدخل المحدود تكاد تكون مسدودة نظرا لعدم وجود الضمانات الكافية لديهم. إلا أن من المضحك المبكي أن يتم استغلال هذا المبدأ الإسلامي الفريد من قبل أحد رواد الصيرفة الإسلامية كأداة تسويق الهدف منها جذب حسابات الرواتب التي لا تزال حرة ولم ترتبط بأي تمويل حيث قرنه بالعديد من الشروط التي حولته من قرض حسن هدفه التوسعة على المسلمين المحتاجين إلى ما يشبه الطعم لاصطياد هذه الحسابات مما أدى إلى استهجان غالبية أفراد المجتمع التي رأت في هذا التصرف استغلالا للدين ومبادئه الراقية من قبل البنك لتحقيق أهدافه المادية عبر تفريغ هذه القيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة من مضامينها وغاياتها. فهل بهذا التصرف وأمثاله يكون وفاء الصيرفة الإسلامية للمبادئ التي قامت عليها.
المصدر: لاحم الناصر، مستشار في المصرفية الإسلامي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire