الأسطــــــورة

تعريف الأسطورة
يذكر »ميرسيا الياد« أن من الصعب إيجاد تعريف للأسطورة, يقبله جميع العلماء والباحثين, ويكون في الوقت ذاته في متناول المتخصصين, فالأسطورة واقعة ثقافية شديدة التعقيد, يمكن مباشرتها وتفسيرها من منظورات متعددة, يكمل بعضها بعضا.
وقبل التعرض للتعريفات المختلفة للأسطورة, يجدر التمييز بين مصطلحي الميثولوجيا والأسطورة بالنسبة لمصطلح الميثولوجيا, فانه يشير إلى شيئين: أولهما دراسة الأسطورة ذاتها, وثانيهما مجموع الاساطير التي تميز حضارة ما كالميثولوجيا المصرية أو اليونانية أو البابلية وما إلى ذلك.
علاوة على ذلك يذكر »ارنست كاسيرر« بان مصطلح »الميثولوجيا« يقصد به علم أشكال التصور الديني, إما مصطلح Myth فالمقصود به الأسطورة ذاتها.
تعريف الأسطورة بالنظر إلى  أصلها
يعرف (كارل كيريني) الأسطورة بقوله: إن الأسطورة في المجتمع البدائي- أي في شكلها المعاش- ليست مجرد حكاية تحكى ولكنها حقيقة معاشة.
كما يرى (ماكس موللر) أنها مرض من أمراض اللغة وأنها القوى التي تمارسها اللغة على الفكر في كل مجال ممكن من النشاط الذهني.
والأسطورة في نظر »تيليارد« هي »موهبة أي جماعة بشرية- كبيرة كانت أو صغيرة - وقدرتها على ان تحكي قصصا معينة عن أحداث أو أماكن أو أشخاص معينين خياليين كانوا أم حقيقيين وتكون حكاية هذه القصص بشكل لا واع غالبا, ويكون لها مغزى رائع«.
ويرى »مالينوفسكي« إن »الأسطورة في حقيقتها ليست تعبيرا تافها ولا تدفقا عشوائيا لخيالات عقيمة, ولكنها قوى ثقافية مهمة تشكلت بصورة محكمة«.
الاتجاه الطبيعي أو الكوني لتفسير أصل الأسطورة:
ويعتقد كتاب هذا المذهب إن كل أسطورة تحتوي ظاهرة طبيعية, ولكنها نسجت نسجا محكما في قالب حكاية حتى تكاد تلك الظاهرة تحتجب فيها أو تنطمس, وبهذا المفهوم تقوم الأسطورة بالنسبة لإنسان عصر ما قبل الكتابة بدور المفسر لبعض الظواهر الكونية, وذلك لعجزه عن الاستدلال.
كذلك تؤمن المدرسة الشمسية- الممثلة في نظرية بلفنش الطبيعية- بان جميع الاساطير قد انبثقت من الصراع المثالي الذي قام بين النور والظلام. بين الشمس وأعدائها الأسطوريين.
الاتجاه التاريخي والواقعي أصل الأسطورة:
ربما كان الاتجاه التاريخي من أقدم اتجاهات تفسير أصل الأسطورة, إن لم يكن أقدمها على الإطلاق, وذلك لان بدايته ترجع إلى المدرسة اليوهيمروسية التي تنسب إلى »يوهميروس« الإغريقي (القرن الرابع- الثالث ق.م).
وقد حاول »يوهيمروس« أن يثبت إن كل الأساطير القديمة عبارة عن أحداث تاريخية حقيقية, وواضح إن الآلهة لم تكن في الأصل سوى كائنات إنسانية أثبتت امتيازها, فما كان من الناس إلا أن الّهوها وعبدوها بعد موتها.
الاتجاه الديني لتفسير أصل الأسطورة
وفقا ل¯ (ميرسيا الياد) فان الرموز الدينية ظهرت من خلال تأثير الأشكال الطبيعية للعالم على المجتمع الإنساني, والأساطير هي تنظيم تلك الرموز في ثقافة معينة للتعبير عن الحدس الأزلي. ان تلك الاساطير أضيف إليها وغير فيها, كما حرف أصلها الديني حتى خرجت عن الحقيقة الدينية إلى الأسطورة, ومن ثم يوجد تشابه في مثل هذه الاساطير عند مختلف الشعوب.
الاتجاه الطقسي
ويرى (كاسيرر) انه لا احد ينازع في كون طابع الأسطورة اجتماعا ويؤكد »دور كايم« إن النموذج الحقيقي للأسطورة ليس الطبيعة, وإنما المجتمع, فجميع الموتيفات الأساسية للأسطورة هي انعكاسات للحياة الاجتماعية للإنسان.
الاتجاه النفسي لتفسير أصل الأسطورة
يرى »فرويد« ان الأسطورة كالحلم, فهما نتاج العمليات النفسية اللاشعورية, ففي الأسطورة, كما في الحلم, تجد الأحداث تقع حرة خارج قيود وحدود الزمان والمكان. كما يرى أيضا تماثل كل دوافع الأسطورة مع ما نصادقه في بعض صور الأمراض النفسية كالعصاب التسلطي, ومخاوف اللمس, والمخاوف الشاذة من الحيوانات, والأفكار التحريمية المتسلطة وما إلى ذلك.
أما »كارل يونج« فرغم انه اقتفى اثر »فرويد« في النظر إلى الأسطورة كنتاج للاشعور, إلا انه يفترق عنه جذريا عندما يقرر أن اللاشعور الذي تنتج عنه الأسطورة هو اللاشعور الجمعي للبشر وان الصور والخيالات المتبدية في الحلم والأسطورة لم تكن في وعي الفرد الشخصي, في يوم من الأيام, ولذا فإنها لم تكبت, والأصح أنها عاشت في اللاشعور الجمعي, ولكن انبثاقها كان من خلال الفرد.
الاتجاه الرمزي والمجازي لتفسير أصل الأسطورة
وترجع أصوله الأولى إلى فلاسفة الأفلاطونية المحدثة في مدرسة الإسكندرية. ويفترض هذا الاتجاه إن كل أساطير الأقدمين مجازية ورمزية, احتوت على بعض الحقيقة الأدبية او الدينية او الفلسفية, او على الواقع التاريخي في شكل مجاز, ولكن بمرور الزمن استوعبها الناس على أساس ظاهرها الحرفي, أو أنها بمرور الزمن فقدت معناها الرمزي واحتفظت بالمعنى الحرفي.
الاتجاه البنيوي
الذي يعد مجرد صورة معدلة من الاتجاه الرمزي إلى حد ما, فهو يرفض تأثير أية علاقة بين الأسطورة والشعيرة الدينية ولا يفسر الأسطورة في ضوء سياقها الاجتماعي, لكنه يسلم باشتراك الاساطير والطقوس الدينية المنتمية الى نفس الوسط الثقافي في بنية واحدة, وبذلك يمكن تناول الأسطورة او عناصر الشعيرة الدينية كمجرد عناصر في جملة منطقية. ومع ذلك, فكل منهما مستقل عن الآخر, كما ينبغي تناولهما, كل بمعزل عن الآخر.
الاتجاه اللغوي لتفسير أصل الأسطورة
ظهرت مدرسة علماء فقه اللغات في أعقاب مدرسة القصص الشعبي في القرن التاسع عشر, وقررت إن جوهر الأسطورة يمكن تلمسه واكتشافه. وقد اعتمد أصحاب هذه المدرسة - وعلى رأسهم موليير و(هربرت سبنسر) على إثبات الفرضية القائلة بان التبجيل الديني الأسطوري للظواهر الطبيعية, كالشمس والقمر, يرجع أصله إلى إساءة تفسير الأسماء التي استخدمها الإنسان للإشارة إلى تلك الظواهر.
فجميع الدلالات اللغوية أساسا غامضة, وفي هذا الغموض وكذلك في اشتراك الكلمات في جذر واحد, يكمن مصدر الاساطير.
الاتجاه الأدبي ويضم أكثر من تيار
أ- انحدار الأسطورة من القصص الشعبي وراوي الحكايات البدائية
ب- »التفسير الشعري« الذي ينظر إلى الأساطير بوصفها نتاجا للخيال الشعري. وهذا التفسير معناه إن التصورات الأسطورية ابتدعت لا من اجل تأكيد شيء أو تعليمه, بل من اجل ارضاء غريزة الإبداع الشعري, ومن ثم فهذا المذهب يقتضي استبعاد كل دلالة مذهبية فكرية.
سمات الأسطورة
- اللا منطق والمعقول واللا زمان واللا مكان (كاسيرر - ليفي برول).
- عدم التمييز بين الواقع والوهم - الرمز والمرموز إليه, الأحياء والأموات
- النزوع إلى التشخيص والتجسيم
- التكرار والتشابه والتماثل بين شخصيات القصص الأسطوري
وظائف الأسطورة
- محاولة مبكرة لفهم العالم (الياد)
- محاولة مبكرة لتفسير العالم (تشارلز)
- محاولة مبكرة لوصف العالم.
- العلاج بالسحر عن طريق تلاوة تصورات نشأة الكون.
- تعبير عن الحاجات الإنسانية والاجتماعية وعن أعماق النفس وآفاقها.
- الكشف عن الأنماط  الأولية للأنشطة الإنسانية.
الاساطير الكونية:
وتضم الأساطير الكونية عددا من الأساطير, منها: أساطير الخلق, واساطير الأصل, واساطير التحول, والأساطير المتعلقة بنهاية العالم.
ويتعلق النوع الرئيسي من الاساطير الكونية بخلق الكون وهي اكثر الاساطير أهمية في الثقافة, لأنها تحكي كيفية ظهور العالم الكلي إلى الوجود.
إما عن الموتيفات التي قدمتها الاساطير عن كيفية خلق العالم فمتعددة, فأحيانا يتم الخلق من العدم, وأحيانا أخرى يتم من اليهولى وفي بعض الاساطير ينبثق الخلق من الانسلاخ. وكذلك تنبثق الآلهة والبشر في بعض الاساطير من والدي العالم مثل (أبسو) و(تيامات) في الاساطير البابلية, أو يتم الخلق عن طريقة البيضة الكونية كما ظهرت فكرة الخلق بكلمة الخالق في روايات أخرى غير رواية العهد القديم, وقد يكون الخلق قد ظهر نتيجة لأحداث العنف والحروب بين الآلهة, او انه قد ظهر بمساعدة بعض الكائنات الالهية, مثل غواصي الأرض الذين يغوصون في المياه الأزلية ليأتوا بالأرض.
ولأن الكون هو عالم الإنسان, فإن أصل الإنسان يرتبط بنشأة الكون بشكل مباشر, وفي بعض الأحوال كان أصل الإنسان يرجع إلى السماء, وأحيانا إلى الأرض, أو انه خلق من صخرة أو شجرة معينة لها مغزى ديني, وفي بعض الاساطير, خلق الإنسان من حيوان أو نبات, أو من الأرض, أو من صورة مرسومة على الأرض ثم رشه الخالق بدمه الإلهي, أو من أي جوهر مادي, وأحيانا يخلقه الإله من العدم عن طريق الفكر.
وفي الاساطير الأخرى, شكل الإنسان من الطين في سفر التكوين أو من خليط الطين والدم كما في أسطورة الخلق البابلية. وهناك أيضا أمثلة عن الازدواجية الجنسية للإنسان الأزلي, فالخلق إما أن يفصل الجنسين بعد خلقه لذلك الكائن المزدوج الجنس, أو انه يشكل المرأة من جسد الرجل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire