الاكتشافات الجغرافية و ظهور الرأسمالية التجارية

مقدمة
يطلق لفظ "الاكتشافات الجغرافية" على الرحلات البحرية التي قام بها الأوربيون خلال ق 15 و16 و التي أسفرت عن اكتشافهم للطريق البحرية إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح للقارة الأمريكية. و قد تضافرت عوامل اقتصادية و دينية و معرفية لحدوث الاكتشافات الجغرافية، و ترتب عنها تكوين إمبراطوريات استعمارية و ظهور الرأسمالية التجارية.
ساهمت عدة عوامل على قيام الاكتشافات الجغرافية التي مرت بمراحل مختلفة.
تعدد العوامل الاقتصادية و الدينية أهم دوافع الاكتشافات الجغرافية.
عرفت أوربا ابتداء من القرن 10 م و إلى الرابع عشر تحولات ديمغرافية و اقتصادية هامة نتج عنها ارتفاع الطلب على المواد الآسيوية (الحرير و التوابل) و المعادن النفيسة (الذهب و الفضة) و قد كانت هذه المواد تصل إلى أوربا عبر وساطتين؛ وساطة العرب المسلمين الذين يراقبون طرقها و وساطة الإيطاليين الذين يوزعونها على دول أوربا، إلا أن ارتفاع أسعار هذه المواد في أوربا تفعل تعدد الوساطات، جعلت الأوربيين يفكرون في الوصول مباشرة إلى مناطق الإنتاج.
أما الدوافع الدينية تتمثل في دعوة الكنيسة إلى نشر المسيحية في الأقطار البعيدة، فاختلقت أسطورة الراهب يوضيا.
و ساعد تقدم المعارف الجغرافية و تطور تقنيات الملاحة على حدوث حركة الاكتشافات الجغـرافية حيث تعـرف الأوربيـون بواسطة العـرب علـى البوصلة و الاصطـرلاب و تطورت صنـاعة السفـن خـاصة بعـد صنـع سفينـة الكرافيـلا (و تتميز بأن طولها لا يتجاوز 30 متـرا و سرعتها 10 كلم/س
تمت أهم الرحلات الاستكشافية على يد البرتغال و الاسبان
ساهمت الظروف الداخلية بشبه الجزيرة الإبيرية في انطلاق حركة الاكتشافات الجغرافية
البرتغال: تحققت الوحدة السياسية في بداية القرن 15 م و أصبح يتمتع باستقرار نسبي، قرب البرتغال من المحيط     الأطلنطي و الشواطئ الإفريقية.اسبانيا: تحققت الوحدة السياسية داخل البلاد بين مملكة أرغون و مملكة قشتالة (بعد زواج فردناند و إيزابيلا سنة 1469 م، فمكنت هذه الوحدة من التخفيف من النزاعات الداخلية و من تعزيز القوة العسكرية لمواجهة الوجود العربي بالإبيريا، و اشتد التنافس بين البرتغال و الاسبان حول المناطق المكتشفة فالتجأ الطرفان إلى إبرام معاهدة "تورد سيلاس" "Torde sillas" سنة 1493 التي منحت البرازيل و إفريقيا و آسيا للبرتغال و تركت الاسبان حق التوسع في جل الأراضي الأمريكية و رفضت باقي الدول هذا التقسيم.
أسفرت الاكتشافات الجغرافية عن نتائج متعددة.
قادت البرتغال و الاسبان حركة استعمارية وحشية بالمناطق المكتشفة
البرتغال: نظرا لقلة عدد سكانها اقتصرت في توسعها على المناطق الساحلية، و كونت بها مراكز تجارية لتأمين مرور سفنهم، و اهتموا بالمحيط الهندي حيث تجارة التوابل و احتكارها نهجوا سياسة العنف و الإرهاب ضد الأهالي في الهند، و ضد السفن العربية المتجهة نحو الهند. كما قاموا باستغلال خيرات البرازيل حيث طوروا زراعة قصب السكر، و دفعتهم الحاجة لليد العاملة إلى جلب الرقيق من إفريقيا.
اسبانيا: كونت إمبراطورية استعمارية على التراب الأمريكي و مارسوا سياسة الإبادة ضد الأهالي، فتم القضاء على حضارة الأزيتك بالمكسيك و الأنكا في الشيلي و البيرو من أجل الحصول على الذهب و الفضة.
تحولت الطرق التجارية لصالح بلدان أوربا الغربي.
انتقل الثقل التجاري الدولي من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلنطي و استفادت منه الدول المطلة عليه و مدنها: لشبونة، اشبيلية ثم أنفرس و أمستردام. و كان من نتائج هذا التحول القضاء على الوساطة العربية و الإيطالية فيما يخص تجارة التوابل كما أن احتلال البرتغاليين للسواحل المغربية و وصولهم إلى سواحل إفريقيا جنوب الصحراء و أوربا.
نتج كذلك عن الاكتشافات الجغرافية تدفق مقادير كبيرة من الذهب و الفضة على أوربا، و كانت اسبانيا هي المستفيد الأول من هذه الثروات الجديدة، و لكن حاجتها إلى السلع الاستهلاكية جعلت نقودها الذهبية و الفضية تتحول لإغناء باقي بلدان أوربا.
ترتب عن تطور الاقتصاد الأوربي ظهور الرأسمالية التجارية.
أفرز تطور الاقتصاد الأوربي نمو فئة بورجوازية تجارية .
عرف القرن 16 م ظاهرة ارتفاع الأسعار بنسب مختلفة حسب المناطق بدأ الارتفاع من اسبـانيا و انتقل إلى هولندا و فرنسا و انجلترا و ذلك بسبب تدفق الذهب و الفضة على أوربا.
و أدى ارتفاع الأسعار إلى تضرر النبلاء و العمال و الحرفيين، في حين استفاد التجار من المضاربة و برزت فئة اجتماعية جديدة هي طبقة التجار الكبار و الصيارفة تمكنت من جمع أموال ضخمة و التحكم في التجارة و الصناعة و الأبناك، و ظهرت من بينها أسرة فوكر.
ازدهر الاقتصاد المركنتلي في أوربا خلال القرن 17 م
يقوم الفكر المركنتلي على مبدأين أساسيين:
الأول: أن قوة الدولة مرتبط بمدى ما تتوفر عليه من معادن نفيسة.
الثاني: أن على الدولة توجيه الاقتصاد كالرفع من الصادرات و تقليص الواردات و تشجيع الصناعة المحلية لمواجهة المنافسة الخارجية و ضمان الأسواق بإنشاء المستعمرات.
و من مظاهر المركنتيلية تأسيس الشركات التجارية الكبرى التي تتمتع بتشجيع الدولة، و أصبح لها نفوذ اقتصادية و عسكرية مثل شركة الهند الشرقية الهولندية (1602 م) التي هيمنت على تجارة التوابل، و شركة الهند الشرقية البريطانية التي نافست الأولى بإصدار قانون الملاحة ص 1660 و قد لعبت هذه الشركات دورا مهما في التجارة المثلثية.
خاتمة:
أحدثت الاكتشافات الجغرافية تحولات عميقة على تاريخ أوربا و العالم و اعتبرت بذلك بداية تحول أوربا نحو عصر جديد هو عصر النهضة الأوربية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire