إن عقد النكاح من أهم وأخطر العقود في الإسلام، لذا فقد اهتم الإسلام به اهتماماً بالغاً، حتى صارت له مكانته المرموقة، ومنزلته السامية، قال الله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (النساء).
ففي هذه الآية الكريمة اعتبر الله عقد النكاح ميثاقاً، ووصفه بأنه غليظ، مما يدل على كبير قدره، وعظيم أثره، ومن صور اهتمام الإسلام بهذا العقد، ما شرع في بدايته من أحكام وآداب. ومنها ما يُعرف بالخطبة، وهو ما سنبينه لك فيما يلي:
الخطبة لغة واصطلاحاً
الخطبة لغة مصدر خطب يقال خطب المرأة يخطبها خطباً وخطب، واختطب القوم فلاناً إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم أما الخطبة اصطلاحاً فقد تعددت عبارات العلماء في تعريفها، إلا أنها متقاربة، ومن بين هذه التعاريف أن الخطبة التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة.
ومن بين التعريفات المعاصرة لها تقدم الرجل إلى امرأة معينة تحل له شرعا أو إلى أهلها٤ . أو هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة، وإعلام المرأة وليها بذلك. وقد يتم هذا الإعلام مباشرة من الخاطب، أو بواسطة أهله.
أداب الخطبة
الخِطبة طلب الزواج، وهي اتفاق مبدئي عليه، ووعد يجب على الجميع احترامه، وتعتبر الخطبة أولى خطوات الزواج. وكل عقد من العقود ذات الشأن والأهمية لها مقدمات تمهد لها وتهيئ الطريق إلى إتمامها على خير وجه، ولأن الزواج من الأمور الهامة فقد نظم الشارع الحكيم -سبحانه- مقدماته، واختصها ببعض الأحكام الشرعية الضابطة لحركة المقْدمين عليه سواء في ذلك الرجل أو المرأة. والخطبة هي تلك المقدمة الطبيعية للزواج.
ومن السنة إخفاء الخطبة، لأن الخاطب قد يرجع عن خطبته للمرأة فلا يزهد فيها الخطاب فلا يكون هناك إساءة إلى هذه المخطوبة، قال صلى الله عليه وسلم: ( أظهروا النكاح، وأخفوا الخطبة). الديلمي، وصححه السيوطي
والأصل في الخطبة أن تكون من الرجل، وهذا ما جاء في القرآن والسنَّة، في قوله تعالى مخاطبًا الرجال: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ } [البقرة: 235]. وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل) [أحمد، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي] وفي ذلك حفظ لحياء المرأة، ورفع لمكانتها، وصون لكرامتها، كما أنه أسلم لئلا تخدع المرأة في رجل غير صالح وهي لا تدري.
ويجوز للمرأة أن تخطب إلى نفسها رجلاً ارتضته، وذلك بأن تحدث وليها في ذلك، أو ترسل إلى من اختارته رسولا أمينًا، فقد خطبتْ السيدة خديجة بنتخويلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز للولي أن يعرض من يلي أمرها على رجل صالح، ويحرص على أن يضعها في يد أمينة.
فقد ورد أنه لما توفي زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب عرضها عمر على عثمان بن عفان، وقال له: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال عثمان: سأنظر في أمري. فمرت أيام، ثم قابله عمر، فقال: بدا لي ألا أتزوج يومي هذا. فقابل عمر أبا بكر، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة. فصمت أبو بكر ولم يقل شيئًا. ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم (طلب خِطبتها) بعد ذلك، فأنكحها إياه، ثم قابل أبو بكر عمرَ فيما بعد، وأعلمه أنه كان يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيخطبها. (البخاري)
مشروعية الخطبة
وقد ثبت مشروعيتها بالقرآن والسنة، فمن القرآن: قوله تعالى: " وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء" ( البقرة)
ومن السنة: قوله (ص) : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "، ومن ذلك: ما قاله عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا توفي بالمدينة ل عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر قال سأنظر في أمري فلبثت ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله" ( الحديث )
أحكام الخطبة
هناك العديد من الاحكام الشرعية المتعلقة بالخطبة نورد منها ما يلي:
النظر إلى المخطوبة
شرع الإسلام للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بل استحب له ذلك، كما ثبت في عدة أحاديث صحيحة، منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله : " أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً"
قول النبي للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه وقد خطب امرأة: "أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: أنظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ". قوله: "أحرى أن يؤدم بينكما" أي يجمع بينكما بالحب والموافقة.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"
فهذه الأحاديث وما في معناها، تدل دلالة صريحة على استحباب نظر الخاطب إلى المرأة التي يرغب في نكاحها.
قال ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها، وذلك لأنه ليس بعورة، وهو مجمع المحاسن، وموضع النظر
ويتحقق بهذا النظر مصلحة الطرفين فإن الخاطب والمخطوبة إذا رأى أحدهما الآخر، واجتمع به – مع حضور المحرم من أقاربها – فإما أن يطمئن إلى الآخر ويميل إليه، ويقع لديه موقع القبول، فتصح رغبتهما في الزواج، فإن تم كان ذلك أدعى للوفاق ودوام العشرة بينهما، وإما أن يحصل عكس ذلك، فيعدلان عن الخطبة. والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وفي حصول النظر احتراز من الغرر، وانتفاء للجهل والغش، وحصول النكاح بعد رؤية أبعد عن الندم، الذي ربما يحصل للمتزوج لو لم تحصل رؤية، فيظهر له الأر على خلاف ما يُحب.
ويكون النظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها كما في الحديث السابق مما يظهر غالباً وأكثر ما ينص عليه أهل العلم في هذا الباب النظر إلى الوجه والكفين. لأنهما أكثر ما يظهر منها غالباً، ولأنه بالنظر إليهما يتم المراد.
ولذا أمرت المرأة بسترهما عن الأجانب كبقية جسدها، وللخاطب أن يكرر النظر، ويتأمل المحاسن، لأن المقصود إنما يحصل بذلك.
ويشترط لإباحة النظر إلى المخطوبة ما يلي:
أن يكون الرجل قاصداً نكاحها.
أن يكون النظر بوجود محرم، فلا تجوز الخلوة بها، لأن الجائز النظر، أما الخلوة فهي باقية على أصل التحريم.
ألا يقصد من النظر الشهوة والتلذذ.
أن يقتصر النظر على القدر الذي يجوز النظر إليه وهو الوجه والكفين.
ويجوز النظر إليها بإذنها وغير إذنها٤١ ، واستدلوا بفعل جابر رضي الله عنه حيث قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها ". ولأن النظر بغير إذنها يجعل الخاطب يراها بدون تصنع، بعيدة عن الزينة التي قد تخرجها أحياناً عن خلقتها الحقيقية، ولأن في ذلك تجنب أذى الفتاة وأهلها فالرؤية إذا كانت علانية ولم يتحقق النكاح، قد يحصل بذلك كسر لكرامة الفتاة، وسيتساءل الناس عن سبب ترك الخاطب، وفي هذا إحراج كبير للفتاة وأهلها.
فإن لم يتيسر للخاطب النظر أو كرهه أي النظر بعث إليها امرأة ثقة تتأملها ثم تصفها له ، وقد أرسل النبي أم سليم رضي الله عنهما إلى جارية فقال: شمي عوارضها، و انظري إلى عرقوبها ".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire