في عالم اليوم، لم تعد المرأة عبئا على المجتمع، ولم تبق حبيسة البيت، ولا ينحصر دورها فيما تحتاجه العائلة من شؤون التنظيف والطهو وادارة الاعمال البيتية فقط، بل تعدّى دورها البيت الى ميادين العمل الاخرى، ومنها أماكن يشتغل فيها الرجل، وقد أثبتت المرأة نجاحا ملموسا في العديد من الاماكن والمجالات الانتاجية التي كانت حكرا على الرجل، لذلك وعت الشعوب المتحضرة أهمية فسح المجال أمام المرأة لاثبات ذاتها واظهار قدراتها للاستفادة منها في بناء المجتمع.
آفاق العمل النسوي
لقد توسعت مجالات العمل النسوي كثيرا، نظرا للتطور المادي، الصناعي والزراعي الهائل، بما يتناسب وحجم الزيادة السكانية المتصاعدة في عموم العالم، فلم يعد مناسبا ولا مقبول أن يقتصر دور المرأة على البيت حصرا، بل لابد من سن ضوابط وخطوات مساعدة لتسهيل عمل المرأة، والاستفادة من طاقاتها الفكرية والعملية الكبيرة واستثمارها في البناء.
وقد طرح الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) مجموعة من الرؤى والحلول المعاصرة، التي يمكن من خلالها للمرأة أن تقوم بدورها المجتمعي كما يجب، على ان يتناسب ذلك مع قدراتها الجسمانية وانوثتها وفقا لموازين الدين، فقد ورد في الكتاب القيّم لمؤلفه الامام الشيرازي والموسوم بـ (الفقه: الادارة / ج2)، بهذا الخصوص: (كانت المرأة ولا تزال تعمل في حقول الزراعة والتسويق، وكذلك الولادة وغيرها، وأضيف الى أعمالها في الوقت الحاضر دخولها في المؤسسات الحديثة، كالمستشفيات ودور العجزة والمعامل والمصانع ونحو ذلك، لذلك على الأمة والدولة إدارة شؤون المرأة ككل، إدارة لا تنافي أنوثتها ولا اشتغالها بأمور البيت، بحيث تتطابق تلك الإدارة مع موازين الدين عند المسلمين).
ضوابط تقف الى جانب المرأة
وطالما أن عمل المرأة خارج البيت أصبح أمرا مفروغا منه، وصار دخولها الى الدوائر الرسمية والمصانع والمؤسسات الانتاجية امرا مألوفا، إذن لابد من ضوابط ملزمة تساعد المرأة على اداء وظيفتها، وتراعي خصوصيتها، فيما يتعلق بقدراتها الجسمية وشؤون الولادة وما شابه، لذا يسهم الامام الشيرازي بوضع مقترحات عملية بهذا الشأن منها: (يجب منح الزوجة إجازة من دون مرتب إذا رخص لها بالسفر إلى الخارج لمدة ستة أشهر أو أكثر أو أقل، حسب موازين الإجتماع، أو عندما تسافر العاملة إلى الخارج لأجل تعلم أو ما أشبه ذلك، كذلك ينبغي منحها إجازة من دون مرتب لرعاية طفلها، وذلك بالحد الذي يكون ملائماً مع البيئة، كأن تكون الاجازة لمدة عام أو أكثر أو أقل، وذلك لثلاث مرات أو أكثر أو أقل، طوال مدتها الوظيفية، وتتحمل جهة العمل اشتراكات التأمين المشتركة عليها، وفق احكام التأمينات الإجتماعية، أو تمنح تعويضاً عن أجرها بما يراه القانون الصحيح عادلاً من المرتب الذي كانت تستحقه من تاريخ منحها الإجازة وذلك وفق إختيارها).
وطالما أن رعاية الاطفال الأسرية تقع على عاتق المرأة بالدرجة الاولى، فإن الامر يتطلب مراعاة المرأة التي تعمل خارج بيتها، في التدريس او التطبيب او الدوائر الرسمية والانتاجية، لهذا ينبغي مراعاة قضية الولادة للمرأة العاملة، حيث يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (يلزم توفير دور الحضانة لرعاية الطفل حيث تواجه المرأة العاملة مشكلة ترك أطفالها ورعايتهم أثناء تواجدها في العمل، مما يؤثر على استقرارها النفسي أثناء تأدية أعمالها، وكذلك ربما يؤثر على إنتاجها، ويتطلب علاج هذه المشكلة ضرورة التوسع في إنشاء دور للحضانة على المستوى العام، في المناطق والأحياء القريبة من محل السكن).
كذلك لابد من الوقوف الى جانب المرأة العاملة، ومساعدتها كي تنجح في الموازنة بين اداء عملها البيتي العائلي، وعملها الانتاجي ايضا، لذا يقترح الامام الشيرازي في هذا الشأن ما يلي:
(ينبغي توفير الأجهزة المنزلية الميسرة، إذ أن توفر تلك الأجهزة يمكن المرأة العاملة من تأدية أعمالها المنزلية بسهولة ويسر، وعلاج ذلك يتطلب ضرورة تسهيل حصول المرأة على مثل هذه الأجهزة بالأسعار والشروط المناسبة، ويمكن للأجهزة الحكومية والوحدات الادارية والنقابات والجمعيات وغيرهم المساهمة في توفير مثل هذه السلع التي أصبحت من الإحتياجات الأساسية لكل أسرة).
الجانب التعليمي والمواصلات
العلم والعمل صنوان، أحدهما يقترن بالآخر، فالعمل من دون علم جهل، ونتائجه فاشلة حتما، أما العلم بلا عمل، فهو عبارة عن كلمات فارغة من الفائدة المادية، لذا ينبغي أن تتعلم المرأة العاملة، كما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي قائلا: (توفير المناخ الملائم لتعلمها وإن كانت كبيرة السن، فإن العلم بالإضافة إلى أنه فرض شرعي ونور يوجب تقدم الانسان في المجتمع وتقدم المجتمع إلى الأمام).
وطالما أن المرأة تعمل خارج بيتها، فإنها بحاجة الى التنقل، وهذا يتطلب مساعدة الجهات المعنية التي تعمل لديها المرأة، لاسيما أن المواصلات في المدن المعاصرة، أصبحت مشكلة كبرى، لذا يقترح الامام الشيرازي، لمعاونة المرأة على تجاوز معضلة النقل ما يلي: (إن المواصلات في العصر الحاضر خصوصاً في المدن الكبيرة تعد من أهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع ككل وخصوصاً المرأة، والتي تؤثر على نفسية المرأة بصورة أكثر، بالإضافة إلى تأثيرها على الكفاية الانتاجية سواء للرجل أو للمرأة، ويمكن المساهمة في علاج هذه المشكلة أو التخفيف من حدتها عن طريق قيام الأجهزة الحكومية والوحدات الاقتصادية والجمعيات والنقابات ومن أشبه بهم بشراء أو استئجار وسائل مواصلات خاصة للعاملين والعاملات ومن إليهم مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك).
وفي كثيرا من الاحيان، تعجز الجهات الرسمية أو المعنية بعمل المرأة، عن تذليل المصاعب الكثيرة والكبيرة التي تواجه المرأة العاملة، لأسباب منها عدم إيلاء الاهمية المطلوبة في هذا المجال من لدن الدولة، أو المؤسسات الانتاجية الرسمية والاهلية على حد سواء، لذلك يقترح الامام الشيرازي تأسيس وتفعيل المنظمات والجمعيات الخيرية المتخصصة بمساعدة المرأة، ومعاونتها في تذليل المشكلات الجمة التي تواجهها، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: ينبغي (تكوين جمعيات نسائية لمختلف شؤون المرأة كشأن الدراسة، والخطابة، وتزويج الفتيات والعانسات، وتعليم المهن كالخياطة والتطريز ونحوهما، ومراعاة الأمومة والطفولة، والعمل اللائق لهن ومعالجة ظاهرة العنوسة وحل المشاكل العائلية، لذلك على الدولة والأمة أن تقوما بالرعاية الكافية وبشؤونها وبدراستها دراسة علمية وعملية واقتراح الحلول المناسبة لها ، فإن الإهتمام بمشكلات المرأة وحلها وتقديمها إلى الأمام ليس اهتماماً بها فقط ، ولكن اهتماماً بالمجموعة البشرية وللرأي بصورة خاصة).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire