القيم الإنسانية

كيفما عرفنا الحضارة فإنه يجب أن نقر بأن الصفة الإنسانية  بمعنى: امتلاك الاتجاه العام لخدمة الإنسان وتطوير إمكاناته الذاتية والعرضية  - هي أهم مقوماتها بلا ريب. 
ولا يمكن أن يتسم أي مذهب أو تخطيط أو حتى مجرد سلوك بالسمة الحضارية إلا إذا  اتسم بالصفة الإنسانية. 
والصفة الإنسانية، عبر إدراكات الوجدان ، وبلا حاجة إلى استدلال، تلازم الإيمان  بمجموعة من القيم المطلقة والمشتركة ، فلا يمكن أن نفترض النسبية في كل شيء ثم  نفترض وجود خصائص إنسانية فإن ذلك يستبطن نوعاً من التناقض ؛  
مفاده: الاعتراف - من جهة - بأن الإنسان له هويته المتفردة جزئياً - إن لم يكن  التفرد كلياً - ورفض أي تمايز إنساني أو قيمة ثابتة فيه من جهة أخرى.

فما هي هذه السمة الثابتة المميزة؟ 

إن الجواب الوجداني (ونؤكد على وجدانيته لأن ذلك يغنينا عن الاستدلال) هو : الفطرة الإنسانية.

والمقصود بالفطرة هو أن الإنسان مخلوق إلهي، أودعت الحكمة الإلهية في وجوده  وطينته الأصلية مجموعة من القضايا البديهية والقدرات العقلية والميول والغرائز التي  تضمن له سيراً طبيعياً نحو تكامله المرسوم له.

وكل الحضارات والمذاهب والأديان إنّما جاءت لتثير له دفائن العقول - كما يعبر  الإمام علي(ع) - وتهيئ الجو المناسب لبروز هذه الطاقات الكامنة على سطح حياته؛  فتهديه سبيلاً يختلف كل الاختلاف عن السلوك الذي تسلكه الحيوانات العجماء التي لا  تتمتع بما يتمتع به من طاقات.

أما القضايا البديهية فهي التي تمنحه القدرة على المعرفة: معرفة نفسه ومعرفة  الكون والواقع، وفلسفة الوجود والعلاقات القائمة بين الأشياء وتلك من قبيل: الإيمان  بمبدأ العلية، والإيمان بمبدأ استحالة التناقض (الجمع بين النقيضين، وارتفاع  النقيضين) و(بعض القضايا الأخرى) فهذه قضايا مغروزة في القناعة والوجدان الإنساني  لا يحتاج للاستدلال عليها، وإلا دخل في طريق مسدود لأنّ الاستدلال نفسه يتوقف عليها  كما هو واضح.

أما القدرات العقلية فهي نفس قدرة النفس الإنسانية على التأمل والتفكير وتجريد  القضايا من ملابساتها، والصعود من مرحلة الجزئيات إلى مرحلة الكليات، والقيام بقياس  الأشياء للوصول إلى تصورات جديدة والتخطيط الذهني لمراحل غير موجودة على صعيد  الواقع القائم. إن هذه القدرة الذهنية هي من مختصات الإنسان وهي سرّ مسيرته  التكاملية وإبداعه ونموّه.

وأما الميول الغريزية فهي التي تقوده نحو كماله وتدفعه للاستفادة من طاقاته في  هذا المجال؛  من هذه الميول: ميله نحو الكمال، والسير نحو الكمال المطلق، ومحاولة سد جوانب  العجز في وجوده، والركون إلى هذا المطلق القادر، وأداء حقه وشكر نعمه والقيام بحق  طاعته؛ فهذه أمور يجدها الإنسان مغروزة في الطينة الإنسانية وإن اختلفت تجلياتها  وتعددت أساليبها، وربما غطت الشبهات على هذه الميول وكبتتها.

ومنها أيضاً غريزة حب الذات، والعمل على تحقيق طموحاتها، فهي من الغرائز الأصلية  في الإنسان والتي لا يمكن تجاوزها والقضاء عليها، كما تصورت الماركسية يوماً ما  أنها ظاهرة فوقية يمكن حذفها من الوجود الإنساني من خلال تحريم الملكية.

ومنها التذوق الفني، والابتهاج لعناصر الجمال التي يزخر بها هذا الكون.

وعلى هذا فالذي يبدو لنا بكل وضوح أيضاً أن مسألة الإيمان بنظرية الفطرة  الإنسانية يفسح المجال للحديث عن جملة مفاهيم من قبيل مفاهيم (الحقوق) و(التكاليف)  و(العدالة) و(الإنسانية) و(الأخلاق) و(الذوق الفني العام) و(القيم المشتركة)  و(الحضارة) و(الحوار) و(الدين) و(المعرفة) و(التصديق) و(المنطق) بل وحتى (البرهان  والاستدلال) و(العلم) لأنهما يعتمدان على عنصر ثابت بدونه لا تسلم لهما حدود  ومعالم.

وبدون الإيمان بهذه النظرية يبقى الإنسان حبيس نفسه ولا يتصل إلا بصوره الذهنية  - كما يعبر جورج باركلي - بل يمكن القول بأنه لا يستطيع الإيمان بذاته هو وهذا  منتهى الخواء.

وبدونها فكل حديث عما مضى إنما هو حديث بلا معنى كما نتصور. وهذه حقيقة كبرى  تصطدم بها الاتجاهات المادية بقوة، ومن هنا جاءت النصوص الإسلامية لتؤكد على   (الفطرة) وإن الدين في الحقيقة ينسجم مع (الفطرة) لأنها واقع أصيل والدين مشروع  واقعي لإصلاح الإنسان يقول تعالى :  ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك  الدين القيم ﴾ (الروم/ 30. ) .وهذه الآية الكريمة تقرر كما يقول الإمام الشهيد الصدر(قدس سره)  في كتابه «اقتصادنا» (ص 312)

أولاً: إن الدين (بكل مافيه من حقوق وتكاليف ومنظورات للعدالة) هو من شؤون  الفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها جميعاً لا تبديل لخلق الله.

ثانياً: إن هذا الدين الذي فطرت الإنسانية عليه ليس هو إلا الدين الحنيف الخالص،  أما أديان الشرك والإيمان بالإلهة الوهمية النسبية فهي لا يمكن أن تحلّ المشاكل  الإنسانية.

يقول سيدنا يوسف لصاحب السجن: ﴿ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سمّيتموها أنتم  وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان﴾ (يوسف/ 40)

وثالثاً: إن الدين الحنيف الذي فطرت عليه الإنسانية يتميز بكونه ديناً قيماً على  الحياة قادراً على التحكم فيها وصياغتها في إطارها العام.

ذلك أن المسألة الاجتماعية المهمة في تاريخ الإنسان هي التعارض الذي ينشأ بين  المصالح الفردية (وهي تؤدي لأن يتصور الإنسان لنفسه حقوقاً في الحصول عليها بمقتضى  حب ذاته) و(المصالح الاجتماعية) التي يطرحها النظام الاجتماعي الذي يعيشه ويفرض  عليه (تكاليف) تجاهها باسم (العدالة)، وهذا التناقض بين المصالح الفردية  والاجتماعية لم يستطع العلم أن يحلّه، فإن علم الإنسان لن يقف مطلقاً أمام ترجيح  مصالحه الشخصية.

ولم تستطع المادية التاريخية من خلال قوانينها التاريخية أن تقدم الحلّ ويبقى  للدين الحل النهائي لهذا التعارض وتحقيق العدالة وذلك من خلال ربطه بين المصالح  الذاتية وسبل الخير إذ يقول القرآن الكريم: ﴿ ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو  مؤمن فأولئك يدخلون الجنة، يرزقون فيها بغير حساب﴾ (غافر/ 40) ويقول: ﴿ من عمل صالحاً  فلنفسه، ومن أساء فعليها﴾ (فصلت/ 46)  . وهكذا تتلاحم المصلحة الفردية والمصلحة الاجتماعية و(الحقوق) و(التكاليف)  تلاحماً رائعاً ينفي التعارض.

وهنا يؤكد المرحوم الشهيد الصدر (قدس سره)

 «فللفطرة الإنسانية إذن جانبان، فهي من ناحية تملي على الإنسان دوافعه الذاتية  التي تنبع منها المشكلة الاجتماعية الكبرى في حياة الإنسان (مشكلة التناقض بين تلك  الدوافع والمصالح الحقيقية للمجتمع الإنساني) وهي من ناحية آخرى تزود الإنسان  بإمكانية حل المشكلة عن طريق الميل الطبيعي إلى التديّن»(اقتصادنا، ص 310 - 312، طبعة مشهد)

ونضيف إلى ماسبق أن الإنسان بفطرته يطمح إلى (التغيير) أي تغيير الواقع الذي  يعيشه إلى الآفضل باستمرار، فهذا من نوازعه الفطرية التي قد تخمد لديه أحياناً  ولكنها لن تنمحي من صفحة الذات وهو مجهز بإمكانات التعالي على الواقع والخلاص من  ضغوطه وتصور الحالة الأفضل تصوراً إجمالياً - وربما كان تفصيلياً - ثم العمل على  تغيير الواقع إلى الصورة المفروضة، وهي حالة لا يتمتع بها أي حيوان آخر. ومن هنا  تنشأ عملية التغيير وتطبع الحياة الإنسانية بطابعها الحضاري دون غير الإنسان من  الموجودات.

وهكذا يمكن أن نقرر أن العملية الحضارية تحتاج في كل مراحلها إلى الإيمان بالقيم  الثابتة وعلى النحو التالي:
أولاً : في مرحلة إيمان الإنسان بذاته.
ثانياً: في مرحلة العبور إلى خارج الذات.
ثالثاً: في مرحلة صياغة الفكر وتكوين الصورة عن الحاضر والمستقبل انطلاقاً نحو  التغيير إلى الأفضل.
رابعاً: في مرحلة نقل الفكرة إلى الآخرين واستلام أفكارهم.
خامساً: في مرحلة السبر والتقسيم والتمحيص والتداول.
سادساً: في مرحلة الاستنتاج والاقتناع.
سابعاً: في مرحلة التخطيط للتغيير.
وأخيراً : في مرحلة تنفيذ التغيير وتحقيقه.
وخلاصة الأمر أن هناك تلازماً تاماً بين المسيرة الحضارية الإنسانية التغييرية  وعملية الحوار والإيمان بالقيم المشتركة والمطلقة.
  
القيم المشتركة مطلقة واقتضائية 

إننا وبالتحليل النفسي الوجداني الذي اعتمدناه في مسيرتنا هذه ندرك وجود  منظومتين من القيم أحداهما مطلقة التأثير لا تحدها حدود أو ظروف معينة والأخرى هي  قيم الحالة الطبيعية أو (قيم الأصل) مما يعني تحولها إلى النقيض أو فقدانها التأثير  المطلوب إذا طرأت ظروف أخرى.

ومن أمثلة المجموعة الأولى: 
قيمة العدالة فهي مطلوبة مهما كانت الظروف و كذلك تقديم الشكر للمنعم المتفضل.
ومن أمثلة المنظومة الثانية:
حفظ الذات، حفظ الكرامة، التعاون، الدفاع عن المستضعفين و السلام والأمن،  التغيير إلى الأفضل، الرحمة، الإيثار، الأمانة.
فقد يكون الصدق في بعض الأماكن نتيجة ما يؤول إليه من تبعات ظلماً لا عدالة،  وكذلك السلام أحياناً بما يؤدي إليه من جرأة على حرمات الإنسانية. فإذا كانت  العدالة قيمة مطلقة فإن السلام قيمة نسبية نعمل على تحقيقها إذا عادت وجهاً من وجوه  العدالة، ونرفضها أن كانت ظلماً، ولكن التساؤل الأساس هو: ماهي معايير العدالة؟  وكيف نتأكد من تحقيقها.

إن الأديان السماوية كلها تؤكد على معيارين:

الأول: معيار تعبدي نستفيد فيه من علم العالم المطلق وهو الله تعالى وهو تعليمات  الدين الثابتة، والتي نتأكد من كونها صادرة من الله سبحانه؛ ذلك أننا نتأكد قبل ذلك  من علم الله الشامل، ومن لطفه ورحمته بالإنسان المخلوق ومن عدالته وتمتعه بكل صفات  الكمال، فهو لا يريد بالإنسان إلا الخير ولا يخدع الإنسان وإنما يكشف له كل الواقع  ويريد له كل الخير.
الثاني: معيار وجداني يكفي فيه التأمل في الأعماق وقناعاتها أو فلنعبر بأنه يكفي  فيه الرجوع إلى الفطرة نفسها.
وما يساعدنا في اكتشاف العمق الفطري هو كون هذه القناعة - أيّة قناعة كانت - من  ملازمات الطبيعة الإنسانية، ولذلك نجدها متوفرةً لدى كل أبناء الإنسان في مختلف  ظروفهم وحالاتهم الفردية والاجتماعية وأزمنتهم وأمكنتهم.

ولكي نتأكد من هذا المعنى نستطيع أن نطرح هذا السؤال على أي إنسان (هل تعتبر أن  السلوك الفلاني سلوكاً إنسانياً أم سلوكاً حيوانياً) فمثلاً لنركز على (قتل اليتامى  والعجزة والمستضعفين للتلهي والتشهي) مثل هذا السلوك يعد سلوكاً وحشياً من قبل أي  إنسان بلا ريب والقرآن الكريم أحياناً يعيد الإنسان إلى تأمله الوجداني وقناعته  الفطرية حينما يقول: ﴿أحلّ لكم الطيبات﴾ (المائدة/ 5) ويترك أمر تعيين الطيبات له ، ويقول   ﴿ إنّما حرّم ربّي الفواحش﴾ (الحشر/ 19) ويترك أمر تعيين الفواحش له أيضاً، ويعتبر الخروج عن  الحالة الإنسانية (فسقاً) وانحرافاً عن الطبيعة ﴿ نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم  الفاسقون﴾ (الأعراف/ 33)

وهكذا ننتهي إلى هذه الحقيقة وهي:
أن الأديان تؤمن بالفطرة الإنسانية، وأن الفطرة تقرر كون العدالة مطلوباً مطلقاً  وكون السلام مطلوباً إذا شكل مصداقاً من مصاديق العدالة، وتجلياً لها ومن هنا كان  التأكيد الدائم على (السلام العادل) تأكيداً إنسانياً صحيحاً.

السلام العالمي والموقف منه 

قلنا لا ريب في كون الأمان مطلباً إنسانياً فطرياً يستمد جذوره من أهم غريزة  وجدت في فطرة الإنسان، وهي غريزة (حب الذات). وهذه الغريزة تعمل مع باقي الغرائز  بشكل متناسق لتحقيق سير إنساني متوازن نحو الأهداف التكاملية العليا للإنسان، فلا  يكفي وجود الدوافع الغريزية لتأمين المسير المتوازن وإنما يجب تأمين جو طبيعي للذات  الفردية وللذات النوعية كي تدفعها تلك الدوافع نحو أغراضها المنشودة.
وتأكيداً من الفطرة نفسها على توفير الجوّ الأمن، نجد العناية الإلهية قد غرست  فيها بديهيات الحكمة، والميول نحو العدل، والنفور من الظلم والاعتداء، بل ومنحتها  القدرة على تعيين الكثير من مصاديق العدل والظلم، مما يمهد لها السبيل للاتصال  بالخالق العظيم وتقديم معاني الولاء له، وحينئذ تنفتح لها آفاق الوحي، وتكتشف بذلك  الأطروحة السماوية الرحيمة التي تعطيها المخطط الكامل للمسيرة، وتضمن لها كل ما  يوصلها إلى أهدافها.
فالأمن إذن حاجة إنسانية دائمة لا تغيّرها الظروف، وليس ظاهرة عرضية حتى يقال،  بأنها معلولة لوضع اجتماعي معين إذا ما تبدلت هذه الظاهرة معه. ومن هنا أيضاً  يكون من الطبيعي أن نتصور الحاجة إلى نظام شامل يتكفل حماية الأمن الفردي  والاجتماعي على مدى مسيرة الإنسان الطويلة.
ولا يمكننا أن نتصور حدوداً لمسألة حماية السلام والأمن إلا في إطار مسألة  التكامل الإنساني ذاتها، بعد أن ندرك أن الفطرة هي معيار الحقوق الإنسانية كلها  بشكل اجمالي، وأنها هي التي فرضت حماية الأمن الإنساني لتحقيق الهدف الكبير. وحينئذ  لن يقبل الأمن تحديداً إلا إذا خرج عن وظيفته الحياتية، وعاد عنصراً ضد الأمن نفسه،  فلا معنى إذن لضمانه.
وإلاّ فكيف نتصور الفطرة التي أعلنت الحاجة إلى الأمن وهي تسمح للفرد بالقضاء  على أمن نفسه هو، أو أمن الآخرين، وبالتالي على أمن المسيرة الإنسانية كلها دون أن  تحدده بما يردعه عن فعلته، حتى ولو كان ذلك بتهديد أمنه؟ 

الحوار بين الديانات واسع الأبعاد 

بعد ما سبق نستطيع بكل وضوح أن نقرر إمكان الحوار بشكل واسع الأبعاد بين الأديان  وذلك:
- لأنها جميعاً تؤمن بنظرية الفطرة الإنسانية وتوابعها.
- لأنها جميعاً تؤمن بقيم مشتركة كثيرة حتى ليلمح الإنسان تطابقاً تاماً في  أصول القواعد. وربما ذكر بعض المؤلفين المسلمين القدامى مجمل تعليمات المسيح  واعتبرها تعليمات إسلامية.
وقد قام محققان فاضلان مسيحيان بإعداد بحث جيد عن القيم والقواعد المشتركة  للأحكام القانونية انتهيا فيه إلى نتائج جيدة فهما يقولان:

 (تكفي محاولة إقامة جسور حول السؤال الذي يطرحه الناس نساءً ورجالاً، عندما  يريدون أن يعيشوا بمقتضى إيمانهم: «ما هي مشيئة الله؟ ماذا يتوجب علي أن أفعل؟ » يبدو لنا أن الديانات الإبراهيمية الثلاث تسير في جوابها في اتجاه واحد)

وهما يقرران في النهاية: وحدة الناس في الله.
- إن الأديان كلها تدعو إلى الحوار المنطقي ولما كانت الأديان هي روح الحضارات  فإن الحوار بينها يفسح المجال لحوار حضاري أصيل ممتد إلى مختلف المساحات الحياتية،  ويوجه الحوار الحضاري نحو مسارات أكثر إنسانية.

الحوار بين الحضارات ودور القيم فيه 

بعد ملاحظة ماسبق يمكننا القول أن السير الطبيعي للبشرية يقتضي أن يسود منطق  الحوار بين الحضارات - باعتبار أن الحضارات تحمل بشكل واضح بصمات الفطرة - اعترفت  بها بشكل فلسفي أو رفضتها . ولذا ففيها جوانب مشتركة تفسح المجال للحوار لا  محالة.
كما إننا ذكرنا من قبل أن الأديان تشكل جوهر الحضارات - حتى ولو أنكرت الحضارات  ذلك - وبالتالي تبقى التأثيرات الدينية واضحة المعالم وأخيراً نجد المجالات  المشتركة بين الأديان تفسح المجال لحوارات مشتركة بين الحضارات.
هذا بالإضافة إلى حقيقة امتدت مع البشرية وتعاظمت مساقطها باستمرار؛ وهي هذا  الترابط المصلحي بين عمار الأرض وساكنيها على مختلف الأصعدة.

وهو ترابط عبرت عنه طموحات الأديان العالمية، والفاتحين الكبار بشتى التعابير  منذ أقدم العصور، واشتد على مر الأيام حتى عدنا اليوم نشبه العالم بقرية صغيرة . والعالم هذا لم يصغر، ولكن وعينا لترابطه وشدة الالتحام بين أجزائه هو الذي أوصلنا  إلى هذه النتيجة.
فلم يعد بمقدور أي بلد أو دولة أن تخطط لبيئتها ولطاقاتها وقوانينها الجوية  والبحرية ومواصلاتها ومخابراتها بل وتعليمها وتربيتها وثقافتها ونهضتها واقتصادها  ودفاعها، بمفردها بعيداً عن ملاحظة مايجري في العالم.

ومن هنا نعتبر أن الاتجاه نحو العالمية اتجاه طبيعي لا معنى لمقاومته، بل يجب  تشجيعه ودعمه . وإذا كنا نقف بوجه (العولمة) ونعتبرها تحدياً خطيراً فإنما ذلك لأن  هذا النمط يعني تفسيراً خاصاً لهذا الاتجاه يصب في مصلحة القوة العظمى، أو فلنقل  يعني سيطرتها على مقود المسيرة وتحويلها لصالح أمة بعينها مهما كان الأمر، وأمركة  للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية  والاجتماعية وغيرها بمختلف الوسائل وشتى السبل القمعية. ولذلك وصفت بالعولمة  المتوحشة والمجنونة و(إن تأكل أو تؤكل) وامثال ذلك.

وعلى أي فان الحوار هو مقتضى الترابط ووحدة المصير الإنساني ولا بديل له إلا  الصراع وهو منطق الغابة لا الإنسان بلاريب.
فيجب إذن تأكيد إنسانيته وتعميقها بتأصيل القيم الإنسانية فيه.
ويمكننا الحديث عن هذه القيم في ما يأتي كنماذج فقط وإلا فمجال هذه القيم واسع  جداً 
نماذج من القيم المشتركة التي يجب أن  تسود 
- قيم الحوار المنطقية.
وهي قيمٌ إنسانية ثابتة. لا تتغير باختلاف الظروف فيجب أن يكون الحوار قائماً  على مفروضات متفق عليها بين الطرفين وإلاّ لم يعد منتجاً.

ويجب أن يدخله الطرفان بروح طلب الحقيقة،وأن تكون أطراف الحوار بمستوى دراسة  الموضوع، ويجب أن يتوضح محور الحوار بشكل تام كما يجب أن يكون أمراً عملياً لا  طوبائياً.

ويجب أن تسوده روح احترام الآخر، كما يجب أن يتخلص من رواسب الماضي أيضاً.
ويجب أن يتم في جو حر بعيد عن الضغط والعنف والتحايل والضوضاء والتهويل . وغير ذلك من مقتضيات الحوار السليم . وأستطيع بكل اطمئنان أن أقول: إن القرآن الكريم أشار إلى كل هذه القيم الحوارية  الثابتة في إصالتها.
- قيم العدالة ومعاييرها ومساحاتها.

فمهما اختلفت الآراء وتنوعت المذاهب فإنه تبقى هناك مساحات لا يختلف عليها  اثنان، وهل يختلف أحدٌ على ضرورة إعطاء الحق لأهله، وأن سلب الشعوب حقوقها في الأرض  والمصير ظلم، وإن التنمية والاستثمار الصحيح للموارد أمر حميد وغير ذلك.
فيجب إذن اكتشاف هذه المساحات والسعي لتعميمها وتعميم الالتزام بها.

- الاتفاق على الحقوق الأساسية للإنسان، والسعي لتوسعة هذا الاتفاق ليشمل  الحقوق التفصيلية الأخرى، وهو أمر غير صعب إذا حسنت النوايا؛ لأن البحث بحث في عمق  الوجدان الإنساني وفي قيم تدرك بالفطرة الصافية.

- الاتفاق على حدود الحرية الإنسانية ومحاولة ترجمتها إلى معالم واضحة وتطبيقات  عملية.
- الانطلاق من القيم الإنسانية لتحديد الأيديولوجيات الهدامة: كالارهاب  والعنصرية و الاستبداد والتفرقة العنصرية والاستعمار وغير ذلك.
- وضع مبادئ سلامة البيئة وتعميمها.
- الاتفاق على مبادئ الفن الرفيع بما يخدم البشرية ويستجلي كوامنها.
- الاتفاق على القيم الاجتماعية ومقومات المجتمع السليم الخالي من الشذوذ  والتسيب.

- الاتفاق على نوع التخطيط للصراع ضد التحديات المتفق على رفضها من قبيل : الأمراض والفقر والجهل والأمية، والتخطيط لتقليل آثار الكوارث الطبيعية كالزلازل  والسيول والحرائق وغيرها.

- تنظيم الحقوق الدولية المشتركة في مجال الملاحة والمواصلات والمعلومات  وأمثال ذلك.
- بناء المؤسسات الدولية العاملة بمقاييس متعادلة واحدة بعيداً عن الازدواجية  والتفرقة.
- الوصول إلى آليات عملية لتعزيز التضامن وتعميم المسؤولية الإنسانية تجاه  عملية السلام ونشر العدالة.

معاً لتعميم منطق الحوار 
وهنا لابد أن ندعو بقوة لتعميم منطق الحوار بعد أن آمنا  بأنه أمر تقتضيه الحكمة والفطرة والعقل السليم، في قبال مقتضيات العاطفة الجامحة  والعصبية المقيتة والانحباس في بوتقة الماضي.
وفي هذا الصدد ندعو لتكوين أمة من المفكرين من كل الأطراف القائمة في الواقع  العملي تعمل على تهيئة الظروف لهذا التعميم، وتضع الخطة اللازمة لذلك، وأرى أن  نسميها بـ (الوسطية العالمية)، أسوة بما ندعو إليه ونسميه داخل الهوية الإسلامية بـ( الوسطية الإسلامية). وذلك انطلاقاً من إيماننا بأن هذه الوسطية لها مفهوم شمولي  يعم تصورنا عن الوجود (باعتباره متوازنا)، وموقف الإنسان منه موقفاً متوازناً، كما  يشمل تصورنا عن التاريخ والعوامل المؤثرة فيه، فضلاً عن كونه تعبيراً عن طبيعة  الإسلام وموقفنا منه أيضاً.

ومن هذا المنطلق (الوسطي) نرى أن تعتمد الخطة العالمية الدعوات التالية:
1 - الدعوة إلى التفرقة الجادة بين الثنائيات الحدية المتناقضة أو المتضادة بحكم  العقل القطعي من قبيل ثنائيات (الوجود والعدم) و(التوحيد والشرك) و(الاطلاق  والنسبية) وأمثالها، وبين الثنائيات اللاحدية أو المصطنعة من قبيل (أنا الخير  والآخر الشر) (أما محاربة الإرهاب أو الكون معه) (أما أن تكون ماركسياً أو فانت لا  تفهم الماركسية). (أنا التوحيد وما عداي الشرك) (أنا التمدن وما عداي التوحش ) (مبادئي هي منتهى التاريخ وما عداها هي التي يجب أن تزول) (أما أنا أو الهمجية)  وأمثالها، فإن النمط الأول مما يمكن الاتفاق  عليه وإن شكك في ذلك الماركسيون . أما النمط الثاني فهو من قبيل الأصنام الفكرية  التي تتم عبر عملية (تصعيد) ذهنية أو نفسية أو تاريخية أو عصبية فيتحول (النسبي)  فيها إلى (مطلق) وبالتالي يقيد كل عمليات التفكير ويمنع كل احتمالات التطور. نعم  يجب الإذعان للقيم الإنسانية المشتركة التي أشرنا إليها ودل عليها الوجدان.

 2- العمل على إشاعة روح الانفتاح الواعي على الحاضر ، وعدم الانحباس الأعمى في  الماضي أو حتى في النظريات التي تم القبول بها مع احتمال وجود ثغرات فكرية فيها.
3 - السعي لتعميم ما قلناه من قبل؛ من أن كل الحضارات لابد أن تستقي من الفطرة  بعض مكوناتها، أو على الأقل نبقي احتمال استقائها وارداً وحينئذ تنفتح أمامنا كوى  الحوار.
4 - الاتجاه نحو تعميق مفهوم التطور الفكري والابداع الجديد، وعدم التأثر بمفهوم  (ليس في الإمكان أبدع مما كان) وإبقاء روح اكتشاف الحقائق حية دافعة متدفقة.
5 - السعي نحو تعميم الإحساس الإنساني المشترك بالأخطار التي تهدد البشرية جمعاء  ولا تفرق بين حضارة وحضارة، وقومية وأخرى، ومنطقة وثانية كالمرض والجهل ونقص  المعنويات وتلويث البيئة وتفكك العائلة وسيادة منطق العدوان وغيرها.
6 - الدعوة إلى تغليب التعقل على عنصر التطرف فهو أمر يعمي البصيرة ويمنع من  التفكير بهدوء مهما كانت الأيديولوجية
 7 - السعي للتوصل إلى حل متوازن بين الاتجاه العالمي وبين احتفاظ الشعوب والأمم  بخواصها الثقافية وغيرها. وهذه الجادة الوسطى هي التي تضمن نجاح الاتجاه العالمي من  جهة لكيلا يصطدم بالعقبات الجادة، كما يحفظ  للبشرية والأمم ثرواتها المتنوعة على مختلف الصعد، فنحقق بذلك مبدأ فلسفياً  يقول بـ (الكثرة في عين الوحدة)
8 - ضرورة تثقيف الجميع بأن مصالح الأمم هي جزء من ماتؤكد عليه قيمها. وحينئذ لن  يقوم هناك تناقض بين القيم والمصالح وتتهيأ فرص واسعة للحوار.
9 - تعميق الروح الموضوعية الإنسانية لمحو الروح الاستعلائية العنصرية من جهة  وعدم التأكيد على القيم الحضارية الخاصة واعتبارها قمة الانتاج الحضاري واعتبار  ماعداها تخلفاً . نعم يجب الإيمان بالقيم الإنسانية المشتركة.
وقبل أن ننهي حديثنا نؤكد أن بوادر الأمل بالمستقبل الواعد - من وجهة نظرنا  - كثيرة:
فهذا القبول العالمي بحوار الحضارات في الأمم المتحدة، وهذه اللقاءات المتتابعة  منذ الثلاثينات في القرن الماضي وعلى مختلف المستويات ، وهذا الانفتاح من قبل  المرجعيات الدينية المتنوعة على الحوار، وهذا الاتجاه الواسع نحو المعنويات ، وهذه  المعلوماتية المنتشرة والتي تكشف الحقائق أمام الجميع، كل هذا وغيره يعدنا بمستقبل  مثالي رغم ما نواجهه من تحديات العولمة المصلحية، والنظريات الاستعلائية، والظلم  الفاحش ضد الشعوب، والاحتلال والإرهاب الفردي والرسمي، والتعامل المزدوج. ذلك أننا  نؤمن ونرى أن قوى الخير تنتصر على عوامل الشر وفقاً لسنن الله في الحياة

التنمية البشرية و التنمية المستدامة

من مأثورات المهاتماغاندي:
" إنني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي ، ولا أن يُحكم إغلاق نوافذي، إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية، لكنني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري"

في العقد الأخير من القرن الماضي تنامي الوعي بقيمة الإنسان هدفاً و وسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة.

وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح. لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان.

التنمية البشرية:

فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وخاصة منذ التسعينات، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح.

إن مصطلح التنمية البشرية يؤكد على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرفاه للسكان، وما التنمية البشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.

والتنمية البشرية هي عملية أو عمليات تحدث نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب.

والتنمية البشرية المركبة تستدعي النظر إلى لإنسان هدفا في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة.

التنمية المستدامة

تتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل.
 وتجرى التنمية المستدامة في ثلاثة مجالات رئيسة هي النمو الاقتصادي، وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة، التنمية الاجتماعية.
 إن من أهم التحديات التي تواجهها التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر، من خلال التشجيع على اتباع أنماط إنتاج واستهلاك متوازنة، دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية.
 وفيما يلي استعراض أمثلة لأهم أهداف التنمية المستدامة من خلال بعض البنود التي من شأنها التأثير مباشرة في الظروف المعيشية للناس:

 تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان إمداد كافٍ من المياه ورفع كفاءة استخدام المياه في التنمية الزراعية والصناعية والحضرية والريفية. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تأمين الحصول على المياه في المنطقة الكافية للاستعمال المنزلي والزراعة الصغيرة للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الحماية الكافية للمستجمعات المائية والمياه الجوفية وموارد المياه العذبة وأنظمتها الإيكولوجي.

1- المياه :

 تهدف الاستدامة الاقتصادية فيه إلى رفع الإنتاجية الزراعية والإنتاج من أجل تحقيق الأمن الغذائي في الإقليمي والتصديري. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تحسين الإنتاجية وأرباح الزراعة الصغيرة وضمن الأمن الغذائي المنزلي. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستخدام المستدام والحفاظ على الأراضي والغابات والمياه والحياة البرية والأسماك وموارد المياه.
   
2 - الغذاء:

 تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى زيادة الإنتاجية من خلال الرعاية الصحية والوقائية وتحسين الصحة والأمان في أماكن العمل. وتهدف الاستدامة الاجتماعية فرض معايير للهواء والمياه والضوضاء لحماية صحة البشر وضمان الرعاية الصحية الأولية للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الحماية الكافية للموارد البيولوجية ة الأنظمة الإيكولوجية والأنظمة الداعمة للحياة.

3 - الصحة:

 تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان الإمداد الكافي والاستعمال الكفء لموارد البناء ونظم المواصلات. وتهدف الاستدامة الاجتماعية ضمان الحصول على السكن المناسب بالسعر المناسب بالإضافة إلى الصرف الصحي والمواصلات للأغلبية الفقيرة. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستخدام المستدام أو المثالي للأراضي والغابات والطاقة والموارد المعدنية.

4 - المأوى والخدمات:

 تهدف الاستدامة الاقتصادية إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والنمو وفرص العمل في القطاع الرسمي. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى دعم المشاريع الصغيرة وخلق الوظائف الأغلبية الفقيرة في القطاع غير الرسمي. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية الضرورية للنمو الاقتصادي في القطاعين العام والخاص.

5 -  الدخل:

 دور تقنية المعلومات في تحقيق التنمية المستدامة
 في هذا العصر الذي تحدد فيه التكنولوجيات القدرات التنافسية، تستطيع تقنية المعلومات أن تلعب دوراً مهماً في التنمية المستدامة، إذ يمكن تسخير الإمكانات اللا متناهية التي توفرها تقنية المعلومات من أجل إحلال تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية، وذلك من خلال تعزيز التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة كما يلي:

1 - تعزيز أنشطة البحث والتطوير لتعزيز تكنولوجيا المواد الجديدة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتكنولوجيات الحيوية، واعتماد الآليات القابلة للاستدامة.

2 - تحسين أداء المؤسسات الخاصة من خلال مدخلات معينة مستندة إلى التكنولوجيات الحديثة، فضلاً عن استحداث أنماط مؤسسية جديدة تشمل مدن وحاضنات التكنولوجيا.

3 - تعزيز بناء القدرات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد القائم على المعرفة، ولاسيّما أن بناء القدرات هو الوسيلة الوحيدة لتعزيز التنافسية وزيادة النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة وتقليص الفقر.

4 - وضع الخطط والبرامج التي تهدف إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي.. بحيث يتم إدماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع العمل على تحقيق أهداف عالمية كالأهداف الإنمائية للألفية.

5 - إعداد سياسات وطنية للابتكار واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا مع التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

 دور الاتصالات في تحقيق التنمية المستدامة المعارف والمعلومات تعد عنصراً أساسياً لنجاح التنمية المستدامة، حيث تساعد على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، وتساعد على تحسين الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي وسبل المعيشة في الريف.. غير أنه لا بد من نقل هذه المعارف والمعلومات بصورة فعالة إلى الناس لكي تحقق الفائدة منها، ويكون ذلك من خلال الاتصالات، حيث تشمل الاتصالات من أجل التنمية الكثير من الوسائط مثل الإذاعة الريفية الموجهة للتنمية المجتمعية، والطرق المتعددة الوسائط لتدريب المزارعين وشبكة الإنترنت للربط بين الباحثين ورجال التعليم والمرشدين ومجموعات المنتجين ببعضها البعض وبمصادر المعلومات العالمية

أسباب ودوافع الإقبال على الهجرة السرية


إنتشرت في الآونة الأخيرة بالمجتمع كباقي مجتمعات دول العالم ظاهرة اجتماعية خطيرة وهي ظاهرة الهجرة السرية أو ما يعرف عنها بظاهرة (الحراقـة)، باللغة العامية، هذه الظاهرة التي استطاعت إشعار كل مؤسسات الدولة وأصبحت مشكلة حية وحساسة.

مشكلة حية من خلال الأحداث المأساوية التي تتوالى بشأنها سواء في الصحف أو الأخبار التلفزيونية من حين لآخر. وهي مشكلة حساسة لكونها تمس جميع شرائح المجتمع بحيث أصبحت الظاهرة لا تمس فئة الشباب وخاصة الذكور، بل تعدت إلى فئة الإناث والأطفال القصر، وأصبح مصطلح (الحرقة) متداولا حتى في الأغاني للتعبير عن الظاهرة.


وتتميز ظاهرة الهجرة السرية بامتدادها على طول السنة أي إنها مستمرة في الزمن ومنتشرة في المكان، بعدما كانت منتشرة بكثرة في غرب البلاد، امتدت بصورة فائقة إلى وسط وشرق البلاد .

إن المتمعن في هذه الظاهرة بل في المقبلين عليها – الحراقـة – يكتشف مدى مأساوية شعاراتهم التي نقرأها في الكثير من جدران العمارات والمؤسسات العمومية مثل شعار "تأكلني سمكة(غرقا في البحر) أفضل من أن تأكلني دودة بعد الدفن في الأرض"، وهو يحمل الكثير من دلالات البؤس والإحباط.

مهما حاولنا فلا يمكن أن نذكر تاريخا محددا لظهور– الحرقـة – ولكن نستطيع القول إن وقت ظهورها كان مباشرة بعد تشديد وغلق الحدود الإسبانية التي تعتبر بوابة دول الاتحاد الأوروبي مع المغرب، ولعل المغرب هو أول من شهد هذه الظاهرة نتيجة غلق حدودها مع إسبانيا خاصة مدينتي سبتة ومليليا.


ونظرا لتعقد هذه الظاهرة وانتشارها الواسع في الجزائر وما تثيره من قضايا، فهي تستلزم الدراسة والتحليل العلمي والموضوعي مثل مشكلة التكيف الاجتماعي للمهاجرين السريين في المهجر وكذلك التغير في أسلوب الحياة والقيم وصلة العلاقات الاجتماعية، وعيوب ومزايا ظاهرة الحرقة على الوطن والمجتمع.

وتركز الدراسة على أسباب ودوافع الإقبال على الظاهرة آخذا بعين الاعتبار جميع العوامل الّتي لها صلة بالموضوع في مدينة الغزوات بالجزائر التي تشهد إقبالا متزايدا على الهجرة التي أصبحت مهنة محترفة لدى شبابها.

وفرضت نوعية البحث استعمال عدة مناهج وهي:
منهج الفهم السببي
المنهج الكمي الإحصائي
المنهج الوصفي - دراسة حالة (المطرودون من إسبانيا)
ويهدف المنهج الكمي الإحصائي إلى قياس الظاهرة باحتساب الأعداد، أما المنهج الكيفي فيهدف إلى فهم موضوع الظاهرة، وعليه ينصب الاهتمام أكثر على حصر معنى الأقوال التي تم جمعها أو السلوكات التي تمت ملاحظتها، حيث قمنا بجمع المعلومات من وحدة اجتماعية وهم مجموعة الحراقة المطرودون من إسبانيا.

إن لهذه الظاهرة التي حيرت الدول الدافعة من جهة والدول الجاذبة من جهة أخرى عدة أسباب وعوامل، تفاعلت فيما بينها لتكون المحرك الأساسي لها، حيث يبقى الإقبال عليها قرارا شخصيا يعود إلى التصورات التي يحملها المهاجرون السريون في أذهانهم، ولعوامل الدفع في منطقة الأصل وعوامل الجذب في منطقة الوصول، وأهم الأسباب:

الأسباب الاقتصادية
حيث يعتبر الكثير من الباحثين أن السبب الرئيسي للهجرة السرية يكمن في غياب التوازن الاقتصادي على المستوى الدولي، والذي يساهم في توسيع الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان المتخلفة أو التي تسمى سائرة في طريق النمو. وبالتالي تصبح المناطق الغنية من العالم أقطابا هامة لجلب الأعداد الهائلة من المهاجرين السريين الراغبين في الاستفادة من الرفاهية والتطور.
تمارس شبكات الهجرة السرية دورا هاما في انتشار الظاهرة، وهي شبكات متعددة الجنسيات تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها الأفراد، وتجمع من ورائهم مبالغ مالية طائلة بعد إغرائهم في ترحيلهم إلى دول استقبال الهجرة السرية

الاضطرابات السياسية
الشعور بالاضطهاد والخوف من المصير وعدم توفر الحريات كلها أمور تدفع بالكثير من الأفراد والجماعات إلى الهجرة السرية بحيث يعد عدم الاستقرار الناجم عن الحروب الأهلية والدولية سبب رئيسي للظاهرة حيث يقصد المهاجرون السريون المناطق الأكثر أمانا ومن بعد ذلك يطلبون ما يعرف باللجوء السياسي ولعل من الأمثلة في ذلك ما يحدث خاصة في دول القرن الإفريقي من حروب ونزاعات.

سياسات الهجرة المعتمدة
في سبيل وضع منهج واضح ينظم حركة المهاجرين أصدرت بعض الأقطار سياسة خاصة بذلك، بغرض تشديد قوانين الهجرة ووضع عوائق أمام الذين يريدون الهجرة بصورة شرعية، ولعل مضمون السياسة الأوربية للهجرة هو أبرز مثال لتباين هذه العوائق، حيث تهدف السياسة الأوربية للهجرة إلى تحقيق ثلاث أهداف رئيسية وهي :
تنظيم حركات دخول وخروج وإقامة المهاجرين حسب الحاجة للهجرة
تنظيم عملية استقبال اللاجئين والعمل على إقامة نظام أوربي موحد للجوء
التعاون في مجال محاربة الهجرة السرية والإقامة غير الشرعية لرعايا الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوربي.

الأسباب النفسية والاجتماعية
الأسباب النفسية والاجتماعية لها دور هام في تحفيز الفرد على الإقدام على الهجرة السرية والتمسك بها انطلاقا من الوسط الذي يعيش فيه، حيث تتكون لديه رغبات وطموحات يحاول تحقيقها في دول الاستقبال بعد إقباله على هذه الظاهرة، ومن هذه الأسباب نجد:
صورة النجاح الاجتماعي
تؤثرعودة المهاجرين لقضاء العطلة في أوطانهم ومع إبراز مظاهر الغنى والعيش في رفاهية من أموال كثيرة وسيارات وقيام البعض منهم باستثمارات في مختلف المجالات بصورة كبيرة في الأفراد الراغبين في الهجرة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية كالفقر والبطالة وعدم تلبية كل طموحاتهم فهم ينظرون إليهم بأنهم حقيقة حققوا أحلامهم وطموحاتهم وهذا ما يغذي فيهم فكرة الهجرة حتى وإن كانت بطرق غير مشروعة.

أسباب نفسية وذاتية
وهي تخص الميولات الشخصية للأفراد بحيث تبرز هذه الأخيرة من خلال المكبوتات والرغبات الشخصية في البحث عن تحقيق التفوق الاجتماعي والعيش على حضارة وثقافة البلاد المراد الهجرة إليها ولعل عالم الاجتماع ابن خلدون لمس الحقيقة في مقدمته أن "المغلوب دائما مولع باقتداء الغالب في نحلته وأكله وملبسه وسائر أحواله وعوائده".

وسائل الإعلام
وخاصة منها المرئية حيث يشهد العالم ثورة إعلامية جعلت حتى الفقراء يستطيعون اقتناء الهوائيات هذه الأخيرة التي تمكنهم من العيش عبر مختلف القنوات في عالم أحلامهم التي يسعون يوما بعد يوم إلى تحقيقها، حيث يقدم لهم الإعلام الصورة المثالية للعيش الكريم والرفاهية وكل حقوق الإنسان وهذا ما يرفع رغبتهم في الهجرة بأي طريقة كانت.

العامل التاريخي
بالعودة إلى تحديد تيارات الهجرة السرية يتضح أن أغلبيتها تكون من الدول الأصلية للمهاجرين السريين إلى الدول المستقبلة وهي غالبا الدول الـمُسْتَعْمِرَة لتلك الدول الأصلية، والعامل التاريخي هنا يبين تلك العلاقة التي تربط الدول الأصلية للمهاجرين السريين إلى الدول المستقبلة، هذه العلاقة مبنية على عدم التكافؤ وعلى واقع استعماري خلف شعورا بمسؤولية دول الاستقبال في نهب خيرات وكل ثروات البلدان الأصلية للمهاجرين السريين.

إذن هذه الخلفية التاريخية تدفع العديد من أفراد البلدان التي كانت عرضة للاستعمار إلى محاولة البحث عن أمل في تلك الدول والذي افتقدته في بلدانها بسبب المخلفات الاستعمارية والتي جعلت البلدان المُسْتَعْمَرَة تعيش تبعية اقتصادية ولم تستطع توفير ما يحتاجه أفرادها.

العامل الجغرافي
يساهم عامل القرب الجغرافي بصورة مباشرة في انتشار هذه الظاهرة ويتضح هذا بصورة جيدة في الحدود البرية، حيث تبقى المسافة القصيرة بين إفريقيا وأوربا مثلا تقدر بأربعة عشر 14كيلومترا فقط، وتسهل عملية الهجرة السرية إلى الضفة الشمالية للمتوسط.

انتشار شبكات الهجرة السرية
تمارس هذه الشبكات دورا هاما في انتشار الهجرة السرية وهي شبكات متعددة الجنسيات تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها الأفراد، وتجمع من ورائهم مبالغ مالية طائلة بعد إغرائهم في ترحيلهم إلى دول استقبال الهجرة السرية.

وقد تكونت هذه الشبكات في مختلف مناطق العالم لتقدم خدمات تساهم في انتشار الظاهرة ، رغم محاولة الكثير من الدول تثبيط نشاطها إلا أنها شبكات استطاعت إبراز صمودها أمام مختلف القوانين وبقيت تواصل نشاطها بكل دقة في تهريب البشر مادام الإقبال على الظاهرة في تزايد مستمر.

سن المهاجرين السريين ومستواهم التعليمي وترتيبهم بين الإخوة داخل الأسرة، كلها عوامل تؤثر في تصوراتهم للإقبال على ظاهرة الهجرة

من خلال قراءة وتحليل الجداول الإحصائية تبين أن كل من سن المهاجرين السريين ومستواهم التعليمي وترتيبهم بين الإخوة داخل الأسرة ووضعيتهم اتجاه الخدمة الوطنية كلها عوامل تؤثر في تصوراتهم للإقبال على ظاهرة الهجرة، وذلك انطلاقا من عوامل الدفع المتمثلة في انعدام فرص التشغيل، وجود البيروقراطية والعراقيل الإدارية، وأخيرا عدم تحقيق الطموح المادي.

ويؤثر سن المهاجر السري في تصوره لعوامل الدفع بحيث كلما تقدم سنه كلما رأى أن أسباب الهجرة الدافعة تعود إلى عدم تحقيق الطموح المادي، وهذا عكس المهاجرين من فئات السن الصغيرة الذين يرون أن الأسباب الدافعة هي انعدام فرص التشغيل ووجود البيروقراطية والعراقيل الإدارية.

أما فيما يخص المستوى التعليمي للمهاجر فأكدت الدراسة أن ذوي المستوى التعليمي الابتدائي ورسوبهم المبكر يجعلهم يرون أن الأسباب الدافعة للهجرة تعود إلى انعدام فرص التشغيل وصعوبة حصولهم على مناصب شغل توائم مستواهم التعليمي.

ويؤثر ترتيب المهاجر السري بين إخوته داخل الأسرة على تصوراته للأسباب الدافعة إلى الهجرة حيث إن المهاجرين السريين الكبار في الأسرة يرون أن الأسباب الدافعة تعود إلى عدم تحقيق الطموح المادي، لأنّهم لم يستطيعوا تحقيق كل متطلبات أفراد أسرهم في حين المهاجرين ذوي المراتب الوسطى والصغيرة بين الإخوة هم غير معنيين بمسؤولية الإعانة الاقتصادية للأسرة، وبالتالي يرون أن الأسباب الدافعة تعود إلى انعدام فرص التشغيل.

وبعد تحليل وقراءة جداول إحصائية توصلت الدراسة إلى أن كلا من مكان إقامة المهاجر السريين ومدى معرفتهم للأشخاص المقيمين بمكان الانطلاق تؤثر في تصوراتهم لاختيار مكان الانطلاق المتمثلة في قرب المكان إلى السواحل الإسبانية وتوفر المكان على أشخاص لتقديم المساعدة، وهي كلها عوامل تؤدي إلى الإقبال على الظاهرة.

وكلما كانت مناطق إقامة المهاجرين باتجاه الوسط والشرق كلما كانت تصوراتهم في اختيار مكان الانطلاق نحو توفر المكان على أشخاص يقدمون لهم المساعدة، قد يكونوا أصدقاءهم أو أقاربهم يزودونهم بالمعلومات اللازم معرفتها للإقبال على الظاهرة وهم غالبا ما يكونون أعضاء في شبكات تنظيم الهجرة السرية.

ويحدث العكس كلما كانت مناطق إقامة المهاجرين في الغرب كلما كانت تصوراتهم في اختيار مكان الانطلاق تستند إلى القرب الجغرافي حيث يفضلون الشواطئ القريبة إلى السواحل الإسبانية خاصة الشواطئ غير المحروسة نظرا لمعرفتهم واطلاعهم الواسع على خصوصيات المنطقة.

تلوث الهواء

الهواء هو كل المخلوط الغازي الذي يملأ جو الأرض بما في ذلك بخار الماء ، ويتكون أساساً من غازي النتروجين نسبته 78,084% والأكسجينن 20,946% ويوجد إلى جانب ذلك غاز ثاني أكسيد الكربون نسبته 0,033% وبخار الماء وبعض الغازات الخاملة وتأتي أهمية الأكسجين من دورة العظيم في تنفس الكائنات الحية التي لا يمكن أن تعيش بدونه وهو يدخل في تكوين الخلايا الحية بنسبة تعادل ربع مجموع الذرات الداخلة في تركيبها .
ولكي يتم التوازن في البيئة ولا يستمر تناقص الأكسجين شاءت حكمة الله سبحانه أن تقوم النباتات بتعويض هذا الفاقد من خلال عملية البناء الضوئي ، حيث يتفاعل الماء مع غاز ثاني أكسيد الكربون في وجود الطاقة الضوئية التي يمتصها النبات بواسطة مادة الكلوروفيل الخضراء ولذلك كانت حكمة الله ذات اثر عظيم رائع فلولا النباتات لما استطعنا أن نعيش بعد أن ينفد الأكسيجين في عمليات التنفس واحتراق ، ولا تواجد أي كائن حي في البر أو في البحر ، إذا أن النباتات المائية أيضاً تقوم بعملية البناء الضوئي ، وتمد المياه بالأكسجين الذي يذوب فيها واللازم لتنفس كل الكائنات البحرية .
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ) لقمان – الآيه 11
لكل انسان العصر الحديث قد جاء ودمر الغابات ، وطعن بالعمران على المساحات الخضراء وراحت مصانعه تلقي كميات هائلة من الأدخنة في السماء ، ولهذا كله أسوأ الآثار عى الهواء وعلى توازن البيئة ، واذا لجأنا إلى الأرقام لنستدل بها ، فسوف نفزع من تضخم التلوث ، فثاني أكسيد الكربون كانت النسبه المئوية الحجمية له حوالي 0,029% في نهاية القرن الماضي ، وقد ارتفعت الى 0,033% في عام 1970 وينتظر أن تصل الى أكثر من 0,038% في عام 2000، ولهذه الزيادة أثار سيئة جدا على التوازن البيئي .
تعريف تلوث الهواء:
هو وجود أي مواد صلبه أو سائلة أو غازية بالهواء بكميات تؤدي إلى أضرار فسيولوجية واقتصادية وحيوية بالانسان والحيوان والنباتات والالات والمعدات ، او تؤثر في طبيعة الاشياء وتقدر خسارة العالم سنويا بحوالي 5000مليون دولار ، بسبب تأثير الهواء ، على المحاصيل والنباتات الزراعية .
ويعتبر تلوث الهواء من أسوأ الملوثات بالجو ، وكلما ازداد عدد السكان في المنطقة الملوثة .
وعلى مدار التاريخ وتعاقب العصور لم يسلم الهواء من التلوث بدخول مواد غريبة عليه كالغازات والابخرة التي كانت تتصاعد من فوهات البراكين ، أو تنتج من احتراق الغابات ، وكالاتربة والكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض ، الا أن ذلك لم يكن بالكم الذي لا تحمد عقباه ، بل كان في وسع الانسان أن يتفاداه أو حتى يتحمله ، لكن المشكلة قد برزت مع التصنيع وانتشار الثورة الصناعية في العالم ، ثم مع هذه الزيادة الرهيبة في عدد السكان ، وازدياد عدد وسائل المواصلات وتطورها ، واعتمادها على المركبات الناتجة من تقطير البترول كوقود ، ولعل السيارات هي أسوأ أسباب تلوث الهواء بالرغم من كونها ضرورة من ضروريات الحياة الحديثة ، فهي تنفث كميات كبيرة من الغازات التي تلوث الجو ، كغاز أول أكسيد الكربون السام ، وثاني أكسيد الكبريت والأوزون .
طرق تلوث الهواء :
أولاً : بمواد صلبة معلقة : كالدخان ، وعوادم السارات ، والأتربة ، وحبوب اللقاح ، وغبار القطن ، وأتربة الاسمنت ، وأتربة المبيدات الحشرية .
ثانياً : بمواد غازية أو أبخرة سامة وخانقة مثل الكلور ، أول أكسيد الكربون ، أكسيد النتروجين ، ثاني أكسيد الكبريت ، الأوزون .
ثالثاً : بالبكتيريا والجراثيم، والعفن الناتج من تحلل النباتات والحيوانات الميتة والنفايات الادمية .
رابعاً : بالإشعاعات الذرية الطبيعية والصناعية:
اظهر هذا التلوث مع بداية استخدام الذرة في مجالات الحياة المختلفة ، وخاصة في المجالين : العسكري والصناعي ، ولعلنا جميعا ما زلنا نذكر الضجة الهائلة التي حدثت بسبب الفقاعة الشهيرة في أحد المفاعلات الذرية بولاية ( بنسلفانيا ) بالولايات المتحدة الامريكية ، وما حادث انفجار القنبلتين الذريتين على ( ناجازاكي وهيروشيما ) إبان الحرب العالمية الثانية ببعيد ، فما تزال أثار التلوث قائمة إلى اليوم ، ومازالت صورة المشوهين والمصابين عالقة بالأذهان ، وكائنة بالابدان ، وقد ظهرت بعد ذلك أنواع وأنواع من الملوثات فمثلاً عنصر الاسترنشيوم 90 الذي ينتج عن الانفجارات النووية يتواجد في كل مكان تقريباً ، وتتزايد كميته مع الازدياد في إجراء التجارب النووية ، وهو يتساقط على الأشجار والمراعي ، فينتقل إلى الأغنام والماشية ومنها إلى الانسان وهو يؤثر في إنتاجية اللبن من الأبقار والمواشي ، ويتلف العظام ، ويسبب العديد من الأمراض وخطورة التفجيرات النووية تكمن في الغبار الذري الذي ينبعث من مواقع التفجير الذري حيث يتساقط بفعل الجاذبية الأرضية ، أو بواسطة الأمطار فيلوث كل شئ ، ويتلف كل شئ .
وفي ضوء ذلك يمكن أن نقرر أو أن نفسر العذاب الذي قد حل بقوم سيدنا لوط عليه السلام بأنه ، كان مطراً ملوثاً بمواد مشعة ، وليس ذلك ببعيد فالأرض تحتوي على بعض الصخور المشعة مثل البتشبلند وهذه الصخور تتواجد منذ الاف السنين ،
خامسا: التلوث الأكتروني :
وهو أحدث صيحة في مجال التلوث ، وهو ينتج عن المجالات التي تنتج حول الأجهزة الالكترونية إبتداء من الجرس الكهربي والمذياع والتليفزيون ، وانتهاء إلى الأقمار الصناعية ، حيث يحفل الفضاء حولنا بالموجات الراديوية والموجات الكهرومغناطيسية وغيرها ، وهذه المجالات تؤثر على الخلايا العصبية للمخ البشري ، وربما كانت مصدراً لبعض حالات عدم الاتزان ، حالات الصداع المزمن الذي تفشل الوسائل الطبية الاكلينيكية في تشخيصه ، ولعل التغييرات التي تحدث في المناخ هذه الايام ، حيث نرى أياما شديدة الحرارة في الشتاء ، وأياما شديدة البرودة في الصيف ، لعل ذلك كله مرده إلى التلوث الإلكتروني في الهواء حولنا ، وخاصة بعد انتشار آلاف الأقمار الصناعية حول الأرض .
تأثير تلوث الهواء على البر والبحر :
تتجلى عظمة الله ولطفه بعباده في هذا التصميم الرائع للكون ، وهذا التوازن الموجود فيه ، لكن الإنسان بتدخله الأحمق يفسد من هذا التوازن ، في المجال الذي يعيش فيه ، وكأن هذا ما كانت تراه الملائكة حينما خلق الله آدم – قال تعالى : (هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم . وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون ) سورة البقرة الايتان 29، 30 .
وجد أن للتلوث آثاراً ضارة على النباتات والحيونات والانسان والتربة ، وسوف نناقش هذا الأثر الناتج عن تلوث الهواء :
صحياً : تؤدي زيادة الغازات السامة إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والعيون ، كما أن زيادة تركيز بعض المركبات الكيمائية كأبخرة الأمينات العضوية يسبب بعض أنواع السرطان ، والبعض الغازات مثل أكاسيد غاز النتروجين آثار ضارة على الجهاز العصبي ، كذلك فإن الإشعاع الذري يحدث تشوهات خلقية تتوارثها إن لم يسبب الموت .
مادياً : يؤدي الاى الآتي:
•    يؤدي وجود التراب والضباب إلى عدم إمكانية الرؤية بالطرق الأرضية والجوية .
•    حدوث صدأ وتأكل للمعدات والمباني ، مما يؤثر على عمرها المفيد ، وفي ذلك خسارة كبيرة .
•    التلوث بمواد صلبة يحجز جزءاً كبيراً من اشعة الشمس ، مما يؤدي إلى زيادة الإضاءة الصناعية .
•    على الحيوانات : تسبب الفلوريدات عرجاً وكساحاً في هياكل المواشي العظمية في المناطق التي تسقط فيها الفلوريدات ، أو تمتص بواسطة النباتات الخضراء ن كما أن أملاح الرصاص التي تخرج مع غازات العادم تسبب تسماً للمواشي والأغنام والخيول ، وكذلك فإن ثاني اكسيد الكبريت شريك في نفق الماشية .
•    أما الحشرات الطائرة فإنها لا تستطيع العيش في هواء المدن الملوث ، ولعلك تتصور أيضاً ما هو المصير المحتوم للطيور التي تعتمد في غذائها على هذه الحشرات ، وعلى سبيل المثال انقرض نوع من الطيور كان يعيش في سماء مدينة لندن منذ حوالي 80 عاماً ، لأن تلوث الهواء قد قضى على الحشرات الطائرة التي كان يتغذى عليها .
•    على النباتات : تختنق النباتات في الهواء غير النقي وسرعان ما تموت ، كما أن تلوث الهواء بالتراب ، والضباب والدخان والهباب يؤدي إلى اختزال كمية أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض ، ويؤثر ذلك على نمو النباتات وعلى نضج المحاصيل ، كما يقلل عملية التمثيل الضوئي من حيث كفاءتها ، وتساقط زهور بعض أنواع الفاكهة كا البرتقال ومعظم الأشجار دائمة الخضرة ، وتساقط الأوراق والشجيرات نتيجة لسوء استخدام المبيدات الحشرية الغازية ، وكمثال للنباتات التي تتأثر بالتلوث محاصيل الحدائق وزهور الزينة ، والبرسيم الحجازي ، والحبوب ، والتبغ ، والخس ، واشجار الزينة ، كالسرو ، والجازورينا ، والزيزفون .
•    على المناخ : تؤدي الإشعاعات الذرية والانفجارات النووية إلى تغيرات كبيرة في الدورة الطبيعية للحياة على سطح الأرض ، كما أن بعض الغازات الناتجة من عوادم المصانع يؤدي وجودها إلى تكسير في طبقة الأوزون التي تحيط بالأرض ، والتي قال عنها القران :       ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون ) .
إن تكسير طبقة الأوزون يسمح للغازات الكونية والجسيمات الغريبة أن تدخل جو الأرض ، وان تحدث فيه تغيرات كبيرة ، أيضاً ، فإن وجود الضباب والدخان والتراب في الهواء يؤدي إلى اختزال كمية الاشعاع الضوئي التي تصل إلى سطح الأرض ، والأشعة الضوئية التي لا تصل إلى سطح بذلك ، تمتص ويعاد إشعاعها مرة أخرى إلى الغلاف الجوي كطاقة حرارية فإذا أضفنا إلى ذلك الطاقة الحراية التي التي تتسرب إلى الهواء نتيجة لاحتراق الوقود من نفط وفحم وأخشاب وغير ذلك ، فسوف نجد أننا نزيد تدريجياً من حرارة الجو ، ومن يدري ، إذا استمر الارتفاع المتزايد في درجة حرارة الجو فقد يؤدي ذلك إلى انصهار جبال الجليد الموجود ة في القطبين واغراق الأرض بالمياه ، وربما كان ذلكما تشير إليه الآية رقم 3 في سورة الانفطار : ( وإذا البحار فجرت ) .حيث ذكر المفسرون أن تفجير البحار يعني اختلاط مائها بعضه ببعض ، وهذا يمكن له الحدوث لو انصهرت جبال الجليد الجليدية في المتجمدين الشمالي والجنوبي .


الجفاف بالمغرب

 مقدمـة:
عرف المغرب تواثر حدوث ظاهرة الجفاف، مما أثر في اقتصاد البلاد.
- فما معنى الجفاف؟
- وما هي تجلياته بالغرب؟
- وما المجهودات المبذولة للحد من آثاره؟
- وما هي خطوات إعداد ملف حول موضوع الجفاف؟
І – مفهوم الجفاف وتجلياته بالمغرب:

1- مفهوم الجفاف:
        الجفاف هو حالة انعدام المطر خلال مدة من الزمن أو انحباس الماء عن الأرض زمنا طويلا مما يؤدي إلى عجز في الموارد المائية للبلاد، والذي يمس مجالا جغرافيا واسعا طيلة مدة من الزمن وذلك بالقياس إلى متوسط الكميات التي كان يتلقاها.
2- تجليات الجفاف بالمغرب:
تعرف الحالة المطرية بالمغرب بين فينة وأخرى تعاقب فترات من الجفاف حيث تتميز الحالة المطرية بالقلة أو العجز الشامل، فتكون التساقطات ضعيفة أو منعدمة خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية التي تتسم بزحف التصحر والجفاف الحاد والتي تتراوح فيها نسبة العجز المائي في الأحواض أحيانا بين 82 و 97 %.
حالة الخصاص في المياه تظهر وتتزايد حتى في المناطق التي تعرف تساقطات مهمة حيث تسببت حالات الجفاف المتعاقبة في نضوب العديد من الآبار والعيون، وقد أثرت هذه الوضعية حتى على موارد المياه السطحية خاصة الأودية التي تراجعت مواردها بشكل ملحوظ .

– تبذل الدولة عدة مجهودات للحد من آثار الجفاف:
للتخفيف من انعكاسات الجفاف وتداعياته على الاقتصاد الوطني، خاصة بالعالم القروي، عملت الدولة على إحداث مرصد وطني للجفاف للمساعدة على اتخاذ القرار بهدف معالجة تأثيرات الجفاف، كما أن برنامج الحد من آثار الجفاف طبق مجموعة من الإجرات من أهمها:
* تلبية الحاجيات الآنية للساكنة القروية من الماء الصالح للشرب، وتزويد الأسواق بالحبوب.
* إغاثة الماشية بتوريدها وتوفير الشعير ودعم المواد العلفية مع تعميم التغطية الصحية للقطيع.
* دعم الدخل في العالم القروي، بتوفير فرص الشغل وإعادة جدولة ديون الفلاحين.
* حماية الثروات الطبيعية والمحافظة على الثروات الغابوية.
خاتمـة:
تعتبر فترات الجفاف التي يعرفها المغرب من فترة لأخرى والخصاص المتزايد في مخزونه المائي من بين المشاكل التي تعيق تنمية البلاد